إنَّ توحيد الدينونة لله وحده هو مفرق الطريق بين الفوضى والنظام في عالم العقيدة؛ وبين تحرير البشرية من عقال الوهم والخرافة والسلطان الزائف , أو استعبادها للأرباب المتفرقة ونزواتهم , وللوسطاء عند الله من خلقه! وللملوك والرؤساء والحكام الذين يغتصبون أخص خصائص الألوهية - وهي الربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية - فيعبدون الناس لربوبيتهم الزائفة المغتصبة.
وما من نظام اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو أخلاقي أو دولي , يمكن أن يقوم على أسس واضحة فاصلة ثابتة , لا تخضع للهوى والتأويلات المغرضة , إلا حين تستقر عقيدة التوحيد هكذا بسيطة دقيقة.
وما يمكن أن يتحرر البشر من الذل والخوف والقلق؛ ويستمتعوا بالكرامة الحقيقة التي أكرمهم بها الله , إلا حين يتفرد الله سبحانه بالربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية , ويتجرد منها العبيد في كل صورة من الصور.
وما كان الخلاف على مدار التاريخ بين الجاهلية والإسلام؛ ولا كانت المعركة بين الحق والطاغوت , على ألوهية الله - سبحانه - للكون؛ وتصريف أموره في عالم الأسباب والنواميس الكونية: إنما كان الخلاف وكانت المعركة على من يكون هو رب الناس , الذي يحكمهم بشرعه , ويصرفهم بأمره , ويدينهم بطاعته ?
لقد كان الطواغيت المجرمون في الأرض يغتصبون هذا الحق ويزاولونه في حياة الناس , ويذلونهم بهذا الاغتصاب لسلطان الله , ويجعلونهم عبيدا لهم من دون الله. وكانت الرسالات والرسل والدعوات الإسلامية تجاهد دائما لانتزاع هذا السلطان المغتصب من أيدي الطواغيت ورده إلى صاحبه الشرعي .. الله سبحانه ..
والله - سبحانه - غني عن العالمين. لا ينقص في ملكه شيئا عصيان العصاة وطغيان الطغاة. ولايزيد في ملكه شيئا طاعة الطائعين وعبادة العابدين .. ولكن البشر - هم أنفسهم - الذين يذلون ويصغرون ويسفلون حين يدينون لغير الله من عباده؛ وهم الذين يعزون