في نشأة البشرية وتفرد «الإنسان» من الناحية البيولوجية والفسيولوجية والعقلية والروحية. هذا التفرد الذي اضطر الداروينيون المحدثون - وفيهم الملحدون باللّه كلية - للاعتراف به، دليل مرجح على تفرد النشأة الإنسانية، وعدم تداخلها مع الأنواع الأخرى في تطور عضوي (?)! على أية حال لقد أعلن اللّه بذاته العلية الجليلة ميلاد هذا الكائن الإنساني في حفل حافل من الملأ الأعلى: «ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ. فَسَجَدُوا. إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» ..
والملائكة خلق آخر من خلق اللّه لهم خصائصهم ووظائفهم لا نعلم عنهم إلا ما أنبأنا الله من أمرهم - وقد أجملنا ما علمنا اللّه من أمرهم في موضع سابق من هذه الظلال (?) - وكذلك إبليس فهو خلق غير الملائكة. لقوله تعالى: «إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» .. والجن خلق غير الملائكة، لا نعلم عنه كذلك إلا ما نبأنا اللّه من أمره - وقد أجملنا ما أنبأنا اللّه به من أمرهم في موضع من هذا الجزء أيضا (?) - وسيأتي في هذه السورة أن إبليس خلق من نار. فهو من غير الملائكة قطعا. وإن كان قد أمر بالسجود لآدم في زمرة الملائكة.
في ذلك الحفل العظيم الذي أعلن فيه الملك الجليل، ميلاد هذا الكائن الفريد ..
فأما الملائكة - وهم الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون - فقد سجدوا مطيعين منفذين لأمر اللّه، لا يترددون ولا يستكبرون ولا يفكرون في معصية لأي سبب ولأي تصور ولأي تفكير .. هذه طبيعتهم، وهذه خصائصهم: وهذه وظيفتهم .. وإلى هنا تتمثل كرامة هذا الكائن الإنساني على اللّه، كما تتمثل الطاعة المطلقة في ذلك الخلق المسمى بالملائكة من عباد اللّه.
وأما إبليس فقد امتنع عن تنفيذ أمر اللّه - سبحانه - وعصاه. وسنعلم: ما الذي حاك في صدره، وما التصور الذي سيطر عليه فمنعه من طاعة ربه. وهو يعرف أنه ربه