146.» .. وكتب عليهم قتل أنفسهم تكفيرا عن عبادتهم للعجل كما سبق في أول هذه السورة. وحرم عليهم «السَّبْتِ» أن يبتغوا فيه تجارة أو صيدا .. وهكذا فالمؤمنون يدعون ربهم ألا يحمل عليهم أثقالا كالتي حملها على الذين من قبلهم، وقد بعث اللّه النبي الأمي يضع عن المؤمنين به من البشر كافة: «إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ» .. فجاءت هذه العقيدة سمحة ميسرة، هينة لينة، تنبع من الفطرة وتتبع خط الفطرة، وقيل للرسول - صلى الله عليه وسلم - «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى».على أن الإصر الأكبر الذي رفعه اللّه عن كاهل الأمة المسلمة، والذي حمله اللّه على عاتق الأمم التي استخلفها في الأرض قبلهم فنقضت عهد الاستخلاف وحادت عنه .. هذا الإصر الأكبر هو إصر العبودية للبشر. عبودية العبد للعبد. ممثلة في تشريع العبد للعبد. وفي خضوع العبد للعبد لذاته أو لطبقته أو لجنسه .. فهذا هو الإصر الأكبر الذي أطلق اللّه عباده المؤمنين منه، فردهم إلى عبادته وحده وطاعته وحده، وتلقي الشريعة منه وحده. وحرر بهذه العبودية للّه الواحد الأحد أرواحهم وعقولهم وحياتهم كلها من العبودية للعبيد! إن العبودية للّه وحده - متمثلة في تلقي الشرائع والقوانين والقيم والموازين منه وحده - هي نقطة الانطلاق والتحرر البشري. الانطلاق والتحرر من سلطان الجبارين والطغاة، ومن سلطان السدنة والكهنة، ومن سلطان الأوهام والخرافات، ومن سلطان العرف والعادة، ومن سلطان الهوى والشهوة. ومن كل سلطان زائف يمثل الإصر الذي يلوي أعناق البشر ويخفض جباههم لغير الواحد القهار. ودعاء المؤمنين: «وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا»:يمثل شعورهم بنعمة الانطلاق والتحرر من العبودية للعبيد كما يمثل خوفهم من الارتداد إلى ذلك الدرك السحيق.
«رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» .. وهو دعاء يشي بحقيقة الاستسلام. فالمؤمنون لا ينوون نكولا عن تكليف اللّه أيا كان. ولكنهم فقط يتوجهون إليه راجين متطلعين أن يرحم ضعفهم فلا يكلفهم ما لا يطيقون. كي لا يعجزوا عنه ويقصروا فيه .. وإلا فهي الطاعة المطلقة والتسليم .. إنه طمع الصغير في رحمة الكبير. ورجاء العبد الضعيف في سماحة المالك المتصرف. وطلب ما هو من شأن اللّه في معاملته لعباده من كرم وبر وود وتيسير. ثم