واليوم ليس أليما. إنما هو مؤلم. والأليم - اسم مفعول أصله: مألوم! - إنما هم المألومون في ذلك اليوم. ولكن التعبير يختار هذه الصيغة هنا، لتصوير اليوم ذاته بأنه محمل بالألم، شاعر به، فما بال من فيه؟

«فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ، بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ» ..

ذلك رد العلية المتكبرين .. الملأ .. كبار القوم المتصدرين .. وهو يكاد يكون رد الملأ من قريش: ما نراك إلا بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا - بادي الرأي - وما نرى لكم علينا من فضل، بل نظنكم كاذبين.

الشبهات ذاتها، والاتهامات ذاتها، والكبرياء ذاتها، والاستقبال الغبي الجاهل المتعافي! إنها الشبهة التي وقرت في نفوس جهال البشر: أن الجنس البشري أصغر من حمل رسالة اللّه فإن تكن رسالة فليحملها ملك أو مخلوق آخر. وهي شبهة جاهلة، مصدرها عدم الثقة بهذا المخلوق الذي استخلفه اللّه في أرضه، وهي وظيفة خطيرة ضخمة، لا بد أن يكون الخالق قد أودع في هذا الإنسان ما يكافئها من الاستعداد والطاقة، وأودع في جنسه القدرة على أن يكون من بينه أفراد مهيأون لحمل الرسالة، باختيار اللّه لهم، وهو أعلم بما أودع في كيانهم الخاص من خصائص هذا الجنس في عمومه.

وشبهة أخرى جاهلة كذلك. هي أنه إذا كان اللّه يختار رسولا، فلم لا يكون من بين هؤلاء الملأ الكبراء في قومهم، المتسلطين العالين؟ وهو جهل بالقيم الحقيقية لهذا المخلوق الإنساني، والتي من أجلها استحق الخلافة في الأرض بعمومه، واستحق حمل رسالة اللّه بخصوصيته في المختارين من صفوفه. وهذه القيم لا علاقة لها بمال أو جاه أو استطالة في الأرض، إنما هي في صميم النفس، واستعدادها للاتصال بالملأ الأعلى، بما فيها من صفاء وتفتح وقدرة على التلقي، واحتمال للأمانة وصبر على أدائها ومقدرة على إبلاغها .. إلى آخر صفات النبوة الكريمة .. وهي صفات لا علاقة لها بمال أو جاه أو استعلاء! ولكن الملأ من قوم نوح، كالملأ من قوم كل نبي تعميهم مكانتهم الدنيوية عن رؤية هذه الخصائص

طور بواسطة نورين ميديا © 2015