جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً. (?)
فهذا هو الشرك الخفي الذي يحتاج إلى اليقظة الدائمة للتحرز منه ليخلص الإيمان.
وهناك الشرك الواضح الظاهر، وهو الدينونة لغير اللّه في شأن من شؤون الحياة. الدينونة في شرع يتحاكم إليه - وهو نص في الشرك لا يجادل عليه - والدينونة في تقليد من التقاليد كاتخاذ أعياد ومواسم يشرعها الناس ولم يشرعها اللّه. والدينونة في زيّ من الأزياء يخالف ما أمر اللّه به من الستر ويكشف أو يحدد العورات التي نصت شريعة اللّه أن تستر ..
والأمر في مثل هذه الشؤون يتجاوز منطقة الإثم والذنب بالمخالفة حين يكون طاعة وخضوعا ودينونة لعرف اجتماعي سائد من صنع العبيد، وتركا للأمر الواضح الصادر من رب العبيد .. إنه عندئذ لا يكون ذنبا، ولكنه يكون شركا. لأنه يدل على الدينونة لغير اللّه فيما يخالف أمر اللّه .. وهو من هذه الناحية أمر خطير ..
ومن ثم يقول اللّه: «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» .. فتنطبق على من كان يواجههم رسول اللّه في الجزيرة، وتشمل غيرهم على تتابع الزمان وتغير المكان.
وبعد فما الذي ينتظره أولئك المعرضون عن آيات اللّه المعروضة في صفحات الوجود، بعد إعراضهم عن آيات القرآن التي لا يسألون عليها أجرا؟ ماذا ينتظرون؟
«أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ، أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ؟» .. وهي لمسة قوية لمشاعرهم، لإيقاظهم من غفلتهم، وليحذروا عاقبة هذه الغفلة. فإن عذاب اللّه الذي لا يعلم موعده أحد، قد يغشاهم اللحظة بغاشية تلفهم وتشملهم، وربما تكون الساعة على الأبواب فيطرقهم اليوم الرهيب المخيف بغتة وهم لا يشعرون .. إن الغيب موصد الأبواب، لا تمتد إليه عين ولا أذن، ولا يدري أحد ماذا سيكون اللحظة، فكيف يأمن الغافلون؟ (?)