وحيوية ورغبة في المعرفة ولهفة على اليقين. فأما القلوب البليدة الميتة الجاسية الغليظة، فقد لا تحس هذه اللهفة ولا يؤرقها الشوق إلى المعرفة .. ومن ثم تمضي في الأرض كالبهيمة تأكل وتستمتع كما تأكل الأنعام وتستمتع. وقد تنطح وترفس كالبهيمة، أو تفترس وتنهش كالوحش وتزاول الطغيان والجبروت والبغي والبطش، وتنشر الفساد في الأرض .. ثم تمضي ملعونة من اللّه ملعونة من الناس!
والمجتمعات المحرومة من تلك النعمة مجتمعات بائسة - ولو غرقت في الرغد المادي - خاوية - ولو تراكم فيها الإنتاج - قلقة - ولو توافرت لها الحريات والأمن والسلام الخارجي - وأمامنا في أمم الأرض شواهد على هذه الظاهرة لا ينكرها إلا مراوغ يتنكر للحس والعيان! والمؤمنون باللّه وملائكته وكتبه ورسله، يتوجهون إلى ربهم بالطاعة والتسليم، ويعرفون أنهم صائرون إليه، فيطلبون مغفرته من التقصير: «وَقالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، غُفْرانَكَ رَبَّنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ».
ويتجلى في هذه الكلمات أثر الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله. يتجلى في السمع والطاعة، السمع لكل ما جاءهم من عند اللّه، والطاعة لكل ما أمر به اللّه. فهو إفراد اللّه بالسيادة كما ذكرنا من قبل، والتلقي منه في كل أمر. فلا إسلام بلا طاعة لأمر اللّه، وإنفاذ لنهجه في الحياة. ولا إيمان حيث يعرض الناس عن أمر اللّه في الكبيرة والصغيرة من شؤون حياتهم أو حيث لا ينفذون شريعتة، أو حيث يتلقون تصوراتهم عن الخلق والسلوك والاجتماع والاقتصاد والسياسة من مصدر غير مصدره. فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
ومع السمع والطاعة .. الشعور بالتقصير والعجز عن توفية آلاء اللّه حق شكرها وفرائض اللّه حق أدائها.
والالتجاء إلى رحمة اللّه لتتدارك تقصيرهم وعجزهم بسماحتها: «غُفْرانَكَ رَبَّنا» .. ولكن طلب الغفران إنما يجيء بعد تقديم الاستسلام وإعلان السمع والطاعة ابتداء بلا عناد أو نكران ..