أن يجعل الدعاة إلى هذا الدين يكتمون شيئا من حقائقه الأساسية أو يؤجلونه ولا أن يبدأوا مثلا من الشعائر والأخلاق والسلوك والتهذيب الروحي، متجنبين غضب طواغيت الأرض لو بدأوا من إعلان وحدانية الألوهية والربوبية، ومن ثم توحيد الدينونة والطاعة والخضوع والاتباع للّه وحده! إن هذا لهو منهج الحركة بهذه العقيدة كما أراده اللّه سبحانه ومنهج الدعوة إلى اللّه كما سار بها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بتوجيه من ربه .. فليس لداع إلى اللّه أن يتنكب هذا الطريق وليس له أن ينهج غير ذلك المنهج .. واللّه - بعد ذلك - متكفل بدينه، وهو حسب الدعاة إلى هذا الدين وكافيهم شر الطواغيت!
والمنهج القرآني في الدعوة يجمع بين الحديث عن كتاب اللّه المتلوّ - وهو هذا القرآن - وبين كتاب الكون المفتوح ويجعل الكون بجملته مصدر إيحاء للكينونة البشرية بما فيه من دلائل شاهدة بسلطان اللّه وتقديره وتدبيره.
كما يضم إلى هذين الكتابين سجل التاريخ البشري، وما يحفظه من دلائل ناطقة بالسلطان والتقدير والتدبير أيضا. ويواجه الكينونة البشرية بهذا كله ويأخذ عليها أقطارها جميعا وهو يخاطب حسها وقلبها وعقلها جميعا! وهذه السورة تحوي الكثير من النماذج الباهرة في عرض صفحات الكتاب الكوني - عقب الكتاب القرآني - في مواجهة الكينونة البشرية بجملتها .. وهذه بعض هذه النماذج:
«المر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ. وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.»
«اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، يُفَصِّلُ الْآياتِ، لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ، وَزَرْعٌ، وَنَخِيلٌ - صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ - يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
يحشد السياق هذه المشاهد الكونية، ليحيل الكون كله شاهدا ناطقا بسلطان اللّه - سبحانه - في الخلق والإنشاء، والتقدير والتدبير. ثم يعجّب من أمر قوم يرون هذه الشواهد