ودين الله ليس غامضاً، ومنهجه للحياة ليس مائعاً .. فهو محدد بشطر الشهادة الثاني: محمد رسول الله، فهو محصور فيما بَلَّغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،من النصوص في الأُصول .. فإن كان هناك نص فالنص هو الحكم، ولا اجتهاد مع النص. وإن لم يكن هناك نص فهنا يجيء دور الاجتهاد - وفق أصوله المقررة في منهج الله ذاته. لا وفق الأهواء والرغبات -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} .. [النساء:59]
والأصول المقررة للاجتهاد والاستنباط مقررة كذلك ومعروفة وليست غامضة ولا مائعة .. فليس لأحد أن يقول لشرع يشرعه: هذا شرع الله، إلا أن تكون الحاكمية العليا لله معلنة، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا (الشعب) ولا (الحزب) ولا أي من البشر، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة ما يريده الله ولا يكون هذا لكل من يريد أن يدعي سلطاناً باسم الله. كالذي عرفته أوروبا ذات يوم باسم " الثيوقراطية " أو " الحكم المقدس " فليس شيء من هذا في الإسلام. وما يملك أحد أن ينطق باسم الله إلا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هنالك نصوص معينة هي التي تحدد ما شرع الله.
إن كلمة " الدين للواقع " يساء فهمها، ويساء استخدامها كذلك. نعم إن هذا الدين للواقع. ولكن أي واقع! .. إنه الواقع الذي ينشئه هذا الدين نفسه، وفق منهجه، منطبقاً على الفطرة البشرية في سوائها، ومحققاً للحاجات الإنسانية الحقيقية في شمولها. هذه الحاجات التي يقررها الذي خلق، والذي يعلم من خلق: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] والدين لا يواجه الواقع أيا كان ليقرَّه ويبحث له عن سند منه، وعن حكم شرعي يعلقه عليه كاللافتة المستعارة! إنما يواجه الواقع ليزنه بميزانه، فيقر منه ما يقر، ويلغي منه ما يلغي، وينشئ واقعاً غيره إن كان لا يرتضيه، وواقعه الذي ينشئه هو الواقع. وهذا هو المعنى بأن الإسلام:" دين للواقع " .. أو ما يجب أن تعنيه في مفهومها الصحيح! ولعله يثار هنا سؤال:" أليست مصلحة البشر هي التي يجب أن تصوغ واقعهم؟ "!.ومرة أخرى نرجع إلى السؤال الذي يطرحه الإسلام ويجيب عليه: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}؟