«وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ... ».
«قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ... » (?).
.. فقضية الألوهية لم تكن محل خلاف إنما قضية الربوبية هي التي كانت تواجهها الرسالات وهي التي كانت تواجهها الرسالة الأخيرة. إنها قضية الدينونة للّه وحده بلا شريك والخضوع للّه وحده بلا منازع. ورد أمر الناس كلهم إلى سلطانه وقضائه وشريعته وأمره. كما هو واضح من هذه المقتطفات من قطاعات السورة جميعا.
وفي سبيل إنشاء تلك الحقائق الاعتقادية في الضمائر، وتثبيتها في النفوس، وتعميقها في الكيان البشري، وبث الحياة النابضة الدافعة فيها بحيث تستحيل قوة إيجابية موحية، مكيفة للمشاعر والتصورات والأعمال والحركات .. في سبيل إنشاء تلك الحقائق على هذا النحو وفي هذا المستوي يحتوي سياق السورة على شتى المؤثرات الموحية والإيقاعات التي تلمس أوتار الكيان البشري كلها في عمق واستجاشة، وهو يعرض هذه الحقائق ويفصلها ..
يحتوي الكثير من الترغيب والترهيب .. الترغيب في خير الدنيا والآخرة لمن يستجيب لداعي الدينونة للّه وحده بلا شريك، وما تحمله للبشرية من خير وصلاح ونماء .. والترهيب بالحرمان من خير الدنيا أو الآخرة وبالعذاب في الدنيا أو في الآخرة لمن يعرضون عن هذا الداعي، ويسلكون طريق الطواغيت حيث يسلمونهم في الآخرة إلى جهنم، التي يقودون لها أتباعهم في الآخرة جزاء ما استسلم لقيادتهم هؤلاء الأتباع في الدنيا ورضوا بالدينونة لهم دون الدينونة للّه تعالى. وهذه نماذج من الترهيب والترغيب:
« ... أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ. إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
«مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها، وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ، وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها، وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» ..