منه أنهم لا يتبعون إلا عن إكراه واقع بهم، لا طاقة لهم بدفعه، وأنهم لا يقرون هذا الافتئات على اللّه .. إن مصطلح «الدين» قد انحسر في نفوس الناس اليوم، حتى باتوا يحسبونه عقيدة في الضمير، وشعائر تعبدية تقام وهذا ما كان عليه اليهود الذين يقرر هذا النص المحكم - ويقرر تفسير رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنهم لم يكونوا يؤمنون باللّه، وأنهم أشركوا به، وأنهم خالفوا عن أمره بألا يعبدوا إلا إلها واحدا، وأنهم اتخذوا أحبارهم أربابا من دون اللّه.
إن المعنى الأول للدين هو الدينونة - أي الخضوع والاستسلام والاتباع - وهذا يتجلى في اتباع الشرائع كما يتجلى في تقديم الشعائر. والأمر جد لا يقبل هذا التميع في اعتبار من يتبعون شرائع غير اللّه - دون إنكار منهم يثبتون به عدم الرضا عن الافتئات على سلطان اللّه - مؤمنين باللّه، مسلمين، لمجرد أنهم يعتقدون بألوهية اللّه سبحانه ويقدمون له وحده الشعائر .. وهذا التميع هو أخطر ما يعانيه هذا الدين في هذه الحقبة من التاريخ وهو أفتك الأسلحة التي يحاربه بها أعداؤه الذين يحرصون على تثبيت لافتة «الإسلام» على أوضاع، وعلى أشخاص، يقرر اللّه سبحانه في أمثالهم أنهم مشركون لا يدينون دين الحق، وأنهم يتخذون أربابا من دون اللّه .. وإذا كان أعداء هذا الدين يحرصون على تثبيت لافتة الإسلام على تلك الأوضاع وهؤلاء الأشخاص فواجب حماة هذا الدين أن ينزعوا هذه اللافتات الخادعة وأن يكشفوا ما تحتها من شرك وكفر واتخاذ أرباب من دون اللّه .. «وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» ...
ثم يمضي السياق خطوة أخرى في تحريض المؤمنين على القتال: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» ..
إن أهل الكتاب هؤلاء لا يقفون عند حد الانحراف عن دين الحق، وعبادة أرباب من دون اللّه. وعدم الإيمان باللّه واليوم الآخر - وفق المفهوم الصحيح للإيمان باللّه واليوم الآخر - إنما هم كذلك يعلنون الحرب على دين الحق ويريدون إطفاء نور اللّه في الأرض المتمثل في