راجعون. وكذلك المساجد والجوامع والرّبط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذّمّة من اليهود والنّصارى (?) ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقميّ الرّافضيّ وطائفة من التّجّار أخذوا لهم أمانا بذلوا عليه أموالا جزيلة حتّى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلّها كأنّها خراب ليس فيها إلّا القليل من النّاس، وهم في خوف وجوع وذلّة وقلّة، وكان الوزير العلقميّ قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط أسهمهم من الدّيوان، فكانت العساكر في آخر أيّام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثمّ كاتب التّتار وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهّل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرّجال، وذلك كلّه طمعا منه أن يزيل السّنّة بالكلّيّة، وأن يظهر البدعة الرّافضة وأن يقيم خليفة من الفاطميّين، وأن يبيد العلماء والمفتين، واللّه غالب على أمره، وقد ردّ كيده في نحره، وأذلّه بعد العزّة القعساء، وجعله (حوشكاشا) للتّتار بعد ما كان وزيرا للخلفاء، واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرّجال والنّساء والأطفال، فالحكم للّه العليّ الكبير، ربّ الأرض والسّماء.

وقد جرى على بني إسرائيل ببيت المقدس قريب ممّا جرى على أهل بغداد كما قصّ اللّه تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز، حيث يقول: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً* فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (الإسراء/ 4 - 5) الآيات. وقد قتل من بني إسرائيل خلق من الصّلحاء وأسر جماعة من أولاد الأنبياء، وخرّب بيت المقدس بعدما كان معمورا بالعبّاد والزّهّاد والأحبار والأنبياء، فصار خاويا على عروشه واهي البناء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015