تعبد الناس لغير اللّه - أي تحكمهم بغير شريعة اللّه وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى «البيان» واعتناق «العقيدة» بحرية لا يتعرض لها السلطان.
ثم لكي يقيم نظاما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلي - بعد إزالة القوة المسيطرة - سواء كانت سياسية بحتة، أو متلبسة بالعنصرية أو الطبقية داخل العنصر الواحد! إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته .. ولكن الإسلام ليس مجرد «عقيدة» ..
إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد. فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان .. ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحرارا - بالفعل - في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم - بعد رفع الضغط السياسي عنهم وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم - ولكن هذه الحرية ليس معناها أن يجعلوا إلههم هواهم أو أن يختاروا بأنفسهم أن يكونوا عبيدا للعباد! وأن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللّه! .. إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية للّه وحده وذلك بتلقي الشرائع منه وحده. ثم ليعتنق كل فرد - في ظل هذا النظام العام - ما يعتنقه من عقيدة! وبهذا يكون «الدين» كله للّه. أي تكون الدينونة والخضوع والاتباع والعبودية كلها للّه .. إن مدلول «الدين» أشمل من مدلول «العقيدة» .. إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة وهو في الإسلام يعتمد على العقيدة. ولكنه في عمومه أشمل من العقيدة .. وفي الإسلام يمكن أن تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية للّه وحده ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام ..
والذي يدرك طبيعة هذا الدين - على النحو المتقدم - يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف - إلى جانب الجهاد بالبيان - ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية - بالمعنى الضيق الذي يفهم اليوم من اصطلاح «الحرب الدفاعية» - كما يريد المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام - إنما كان حركة اندفاع وانطلاق لتحرير «الإنسان»