بوفاة عبد الرحمن الأوسط رحمه الله بدأ عهد جديد في بلاد الأندلس، وهو عهد الضعف في الإمارة الأموية، من سنة (238) إلى سنة (300) من الهجرة، أي: حوالي (62) سنة، تولى من بعد عبد الرحمن الأوسط ابنه محمد بن عبد الرحمن الأوسط ثم اثنين من أولاده: المنذر ثم عبد الله، لكن الإنسان في الحقيقة يتعجب كثيراً، كيف بعد هذه القوة العظيمة والبأس الشديد والهيمنة على أرض الأندلس وما حولها يحدث هذا الضعف وهذا السقوط وهذا الانحدار؟! إنه ليس من سنن الله أن تسقط الأمم فجأة، إن الأمر يكون متدرجاً على فترات طويلة، ففي العهد الثاني للولاة حصلت الثورات والمكائد والتي بدأت بوفاة عبد الرحمن الأوسط؛ والسبب وراء ضعف الولاة كان فيما يلي: أولاً: انفتاح الدنيا وكثرة الغنائم، ثانياً: القبلية والقومية، ثالثاً: ظلم الولاة، رابعاً: ترك الجهاد، لكن كل هذا كانت له بذور في أواخر عهد القوة من عهد الولاة، بدأت هذه البذور أثناء وبعد موقعة بلاط الشهداء.
ولكي نفهم سبب ضعف الإمارة الأموية علينا أن ندرس الفترة الأخيرة من عهد القوة، ونبحث فيها عن بذور الضعف والأمراض التي أدت إلى هلكة أو ضعف الدولة الأموية في عهد الإمارة الثاني فبعد هذا الضعف الشديد، وهذه العوامل المتفاعلة، وهذه الفترة الطويلة نسبياً؛ (62) سنة من الضعف، نحلل الوضع في بلاد الأندلس في سنة (300)، أي: زمن انتهاء عهد الضعف أو أواخر عهد الضعف في بلاد الأندلس، فيما يلي: أولاً: وجود ثورات لا حصر لها في الأندلس؛ بل واستقلالات في كثير من المناطق، وأشهر هذه الاستقلالات استقلال صمويل أو عمر بن حفصون بجنوب الأندلس، حيث كون ما يشبه الدويلة في هذه الرقعة من بلاد الأندلس، وضم إليه الكثير من الحصون، حتى ضم إليه كل حصون إستجّة وجيان، التي كانت من أحصن المناطق الأندلسية على الإطلاق، وصارت غرناطة في حوزة عمر بن حفصون، واتخذ له عاصمة سماها ببشتر في الجنوب بجوار ألمارية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ثانياً: الثورة الثانية الكبيرة في أشبيلية أثارها رجل اسمه ابن حجاج، وهذه الثورة كانت تمد وتساعد عمر بن حفصون أو صمويل في ثورته ضد قرطبة.
ثالثاً: ثورة في شرق الأندلس في منطقة بلنسية.
رابعاً: ثورة في منطقة سراقسطة في الشمال الشرقي، أدت إلى استقلال إمارة سراقسطة عن الإمارة الأموية في قرطبة، وثورة في غرب الأندلس يقودها رجل اسمه عبد الرحمن الزليقي، وثورة في طليطلة وهكذا.
وكل هذه الثورات أدت إلى أن الحكومة المركزية للإمارة الأموية لا تسيطر في كل بلاد الأندلس إلا على مدينة قرطبة وما حولها من بعض القرى، وهكذا انفرط العقد تماماً في سنة 300 من الهجرة، وتوزعت البلاد بين كثير من القواد، كل يحارب الآخر، وكل يبغي ملكاً ومالاً ودنيا.
خامساً: أنه في الشمال تكونت مملكة نصرانية ثالثة بالإضافة إلى مملكة ليون التي تكونت لما ضعف المسلمون في عهد الولاة الثاني، وكانت نواتها هي منطقة الصخرة التي لم تفتح لـ موسى بن نصير ومن معه في بدء الفتح، كانت مملكة ليون في الشمال الغربي من البلاد، وتكونت مملكة صغيرة اسمها مملكة أراجون في عهد الحكم بن هشام الذي تميز بالظلم فحدثت له هزائم، وكانت مملكة أراجون في الشمال الشرقي للبلاد، وعاصمتها برشلونة.
وتكونت إمارة ثالثة انفصلت عن مملكة ليون وهي: إمارة نافار، وفي بعض الكتب العربية تكتب نبارة، وهي الآن ما يعرف في أسبانيا بإقليم الباسك الذي فيه خلافات كثيرة، ومحاولة الانشقاق عن أسبانيا الآن.
هذه الثلاث الممالك النصرانية اجترأت كثيراً على البلاد الإسلامية، فقد كانت تخاف المسلمين في عهد الإمارة الأموية الأول، أما بعد ذلك فقد بدأت تهاجم شمال الأندلس، وبدأت تسيطر على بعض البلاد الإسلامية، بل وبدأت تقتل من المسلمين المدنيين في هذه المدن الشمالية في بلاد الأندلس.
سادساً: أن ولي العهد للأمير الذي كان يحكم البلاد في ذلك الوقت قد قتل؛ واسم الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط، واسم ولي العهد المقتول هو محمد بن عبد الله قتله أخوه المطرف بن عبد الله، فعندما يتفرق المسلمون وينشغلون بدنياهم، وبالأغاني والطرب، وبأنفسهم هكذا تكون العاقبة، فقد قتل ولي العهد، وأصبح الوضع في منتهى الخطورة؛ ثورات في الداخل، وحكومات نصرانية في الشمال تهجم على المسلمين، وليس للبلاد ولي عهد، وزاد الأمور خطورة بظهور دولة جديدة في بلاد المغرب كانت من أشد الدول خطورة على بلاد الأندلس، وهي الدولة الفاطمية أو المسماة بالدولة العبيدية؛ التي ظهرت في سنة (296) من الهجرة، يعني: قبل سنة (300) بأربع سنوات فقط، ظهرت هذه الدولة في بلاد المغرب العربي وكانت دولة شيعية خبيثة جداً، وكان