Q الأندلس دولة مستقلة تُحكم بحكم النصارى في ذلك الزمن السحيق، والمسلمون دولة أخرى كبيرة جداً مجاورة لهذه البلاد، فلماذا حمل المسلمون سيوفهم واتجهوا إلى فتحها ليعرضوا عليها الإسلام أو الجزية أو القتال، وهذا في الأعراف الدولية والشرعية الدولية يعتبر تجنياً على حدود دولة مجاورة؟ وأصحاب المناهج العلمانية يقولون: كيف أن الإسلام انتشر بحد السيف وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]؟ فكيف توفق بين هذا الأمر وذاك الأمر؟ لتفسير هذا الأمر نقول: إن الجهاد في الإسلام نوعان: جهاد الدفع، وجهاد الطلب.
النوع الأول: جهاد الدفع، وهو الدفاع عن الأرض، فلو أن أحد الأعداء هجم على أرضك فيجب عليك أن تدافع عن أرضك، وهذا أمر مقبول ومفهوم عند عوام الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
النوع الآخر من الجهاد لا يستوعبه كثير من الناس حتى المسلمين، اسمه: جهاد الطلب، أو جهاد نشر الدعوة، أو تعليم الآخرين هذا الدين، والإسلام هو الدين الخاتم، وهو كلمة الله سبحانه وتعالى الأخيرة للناس، والله سبحانه وتعالى كلّف أمة الإسلام أن تنشر هذا الدين في ربوع العالم، وأن تعلم الناس ما طلبه ربهم منهم سبحانه وتعالى على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
ومن سنن الله سبحانه وتعالى أن هناك أقواماً يحكمون الشعوب التي لا تدين بالإسلام، فهذه الأقوام -لا محالة- ستقف أمام هذه الدعوة، وستمنع وصول هذه الدعوة إلى غيرها من الناس، فالإسلام شرع للمسلمين أن يتجهوا بسيوفهم وجيوشهم لحماية الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى لنشر هذا الدين وتعليمه للآخرين.
فمن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن المسيح هو الله؟ ومن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن البقرة هي الإله؟ ومن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يتعلمون أنه ليس للكون خالقاً، وأنه خلق من العدم، أو أن الطبيعة هي رب الكون؟! فمن يعلمهم إذا لم يعلمهم المسلمون أصحاب الرسالة الخاتمة؟ وقد جُعل محمد صلى الله عليه وسلم نبينا الكريم خاتم الأنبياء والرسل، وليس هناك مبعوث من بعده صلى الله عليه وسلم.
فهذه هي مهمة هذه الأمة الشاهدة، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، ستشهد هذه الأمة على الأمم عند الله سبحانه وتعالى أنها شرحت لهم دين الإسلام وعلمّتهم وذهبت إليهم وجاهدت في سبيل الله، فهذه الأمة شاهدة لهذا الجهاد ولإيصال هذه الدعوة.
لكن المشكلة أن الحكام سيقفون بسيوفهم وجيوشهم لمنع وصول الدعوة إلى هؤلاء الناس؛ لأنهم مستفيدون من عبادة هؤلاء الناس لغير الله سبحانه وتعالى، فإذا حُكّم شرع الله سبحانه وتعالى انتقلت الحاكمية من هؤلاء الناس إلى الله سبحانه وتعالى، وهم لا يريدون ذلك، فعلى المسلمين أن يقفوا أمامهم بسيوفهم وجيوشهم حتى تنشر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
والمسلمون لا يقاتلون الشعوب، كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول للجيوش الفاتحة: اتقوا الله في الفلاحين، اتقوا الله في عموم الناس التي لا تقاتل، التي لا يهمها مصلحة الحاكم هذا أو ذاك، لكن تعيش لتعلم أين الخير وتتبعه، لا تقتلوا إلا من قاتلكم فكان المسلمون يتجنبون أن يؤذوا ولو أذى بسيطاً أحد الناس الذين لا يقاتلون؛ كالنساء والأطفال، والمعتكفين للعبادة، والضعفاء عن القتال، والأقوياء الذين لا يشاركون في قتال المسلمين، والمسلمون في حروبهم يقاتلون الجيوش فقط، ويقاتلون الحكام الذين عبّدوا الناس لغير الله سبحانه وتعالى.
وقد يقول قائل: وإذا سمحوا بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في بلادهم فلماذا الجيش؟ ولماذا لا نبعث مجموعة من الدعاة يدعون إلى الله سبحانه وتعالى في بلادهم بالتي هي أحسن، ولا داعي للجيوش لعرض الإسلام أو الجزية أو القتال، اتركوا الناس أحراراً تختار كما تشاء؟! لماذا المسلمون لم يبعثوا مجموعة من الدعاة لفارس أو الأندلس أو الروم؟ ألم يكف الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن الإسلام انتشر بالتجارة في أندونيسيا والفلبين وماليزيا وما إلى ذلك، فلماذا ينشر بالجيوش والحروب وما إلى ذلك؟ الحقيقة أن هذا افتراض غير واقعي أنهم يذهبون إلى هذه الأماكن بدون جيوش، فهذا افتراض غير عملي مخالف لسنن الله تعالى في أرضه وفي خلقه، حتى مع دراسة التاريخ والواقع، فنجد أن دولاً ضخمة جداً دخلت في الإسلام عن طريق الفتوحات الإسلامية، والقلة الاستثنائية هي التي دخلت الإسلام عن طريق التجارة، مع أن بعض الناس يصورون الأمر بغير ذلك، حتى من المسلمين حياءً من فتح المسلمين للبلاد الأخرى، فدين الإسلام كامل شامل من عند الله سبحانه وتعالى، ليس فيه ثغرات، وليس فيه شيء نستحيي منه، أو نخفيه عن الآخرين فدولة فارس بكاملها والتي كانت تضم العراق وإيران وباكستان وأفغانستان وكل دول الإتحاد السوفييتي ا