حال المسلمين في الأندلس في الفترة الثانية من عهد الولاة

في الفترة الثانية من عهد الولاة من سنة (123هـ - 138هـ) يبدأ عهد جديد، وبذور هذه الفترة بدأت في موقعة بلاط الشهداء من حب للغنائم، ومن تفضيل للعنصرية والقبلية.

وفي أول هذا العهد كانت الأموال كثيرة جداً، والغنائم ضخمة جداً، فقد فتحت الدنيا وكثرت الأموال، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)، فحين فتحت زهرة الدنيا على المسلمين وانخرطوا فيها تأثر الإيمان، وتبعاً لتأثر الإيمان ظهرت العنصرية بصورة كبيرة جداً، وحدثت انقسامات كثيرة في الأندلس، فحدثت انقسامات بين العرب والبربر، وهذه البذور كانت موجودة منذ بلاط الشهداء، ثم حدثت انقسامات بين العرب أنفسهم، فحدثت انقسامات بين المضريين والحجازيين، وحدثت انقسامات بين العدنانيين والقحطانيين، فالعدنانيون هم أهل الحجاز، والقحطانيون هم أهل اليمن، فكانت هناك حروب وخلافات وشقاقات كثيرة بين أهل اليمن وبين أهل الحجاز، ثم حدثت انقسامات أخرى بين أهل الحجاز أنفسهم، أي: بين الفهريين والأمويين، وبين بني قيس وبني ساعدة، وهكذا انقسم أهل الحجاز أنفسهم بعضهم على بعض، وكخطوة لاحقة لأمر حب الدنيا وظهور العصبية ظهر أمر جديد وهو تولي ولاة ظلموا الناس، وألهبوا ظهورهم بالسياط.

فهذه تداعيات يوصل بعضها إلى بعض، فظهر على سبيل المثال رجل اسمه عبد الملك بن قطن، ملأ الأرض ظلماً وجوراً، فقسم الناس بحسب العنصرية والقبلية، وأذاق الآخرين ألواناً من العذاب، ولم يعط من الغنائم للبربر، ولم يعط لغير المضريين، فانقسم الناس عليه وانقلبوا، وظهر يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وتولى الحكم من سنة (130 هـ - 138هـ) يعني: آخر ثمان سنوات في عهد الولاة، فانفصل بالكلية عن الخلافة الأموية، وادعى أن الإمارة في الأندلس إمارة مستقلة، وأذاق الناس العذاب ألواناً، فحدثت انكسارات كثيرة جداً، وثورات عديدة في أرض الأندلس، وتفككت إلى أكثر من عشرين أو ثلاثين ثورة في داخل بلاد الأندلس.

وسبحان الله! فقد كنت منذ قليل أتحدث عن الانتصارات الإسلامية والتاريخ المجيد، وفتح الأندلس وفرنسا، ثم ها هي العنصرية وها هو ظلم الولاة يسلم الناس إلى هذه الثورات، وكرد فعل طبيعي جداً ترك الناس الجهاد، وتوقفت الفتوحات في فرنسا، وتوقفت الحروب ضد النصارى في الشمال الغربي في منطقة الصخرة، والتي كان فيها مجموعة من النصارى متمركزين منذ الفتح الأول لبلاد الأندلس، وهذه قاعدة وسنة من سنن الله سبحانه وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا).

وجاء في حديث أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).

وهكذا لما ترك المسلمون الجهاد سلط الله عليهم ذلاً، فانقسموا على أنفسهم وانشغلوا بأنفسهم، وتركوا الجهاد في فرنسا، والأندلس.

وباختصار شديد فإن خلاصة النصف الثاني من عهد الولاة، ونظراً لتفاعل أمور الدنيا والقبلية وظلم الولاة وترك الجهاد كان الوضع في سنة (138هـ) كما يلي: أولاً: فقدان كل الأراضي الإسلامية في فرنسا باستثناء مقاطعة سبتمانيا، والتي فتحت بسرية من سرايا موسى بن نصير أول الفتح.

ثانياً: ظهور مملكة نصرانية اسمها مملكة ليون في المنطقة الشمالية الغربية عند منطقة الصخرة.

ثالثاً: ظهور يوسف بن عبد الله الفهري الذي أعلن انفصال الأندلس عن الخلافة العباسية القائمة في ذلك الوقت.

رابعاً: انقسام الأندلس إلى فرق عديدة متناحرة وثورات لا نهائية، كل يريد التملك والتقسيم بحسب العنصر والقبيلة.

خامساً: ظهور فكر الخوارج عن طريق الذين جاءوا من الشام، وانضم إليهم البربر، فالبربر كانوا يعانون من الظلم الشديد من يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ بسبب العنصرية بين العرب والبربر، فاضطروا إلى اتباع هذا الفكر الخارج عن المنهج الإسلامي الصحيح، فأجمع المؤرخون نتيجة هذه العوامل جميعاً أن الإسلام بالفعل كاد أن ينتهي من الأندلس، وذلك في عام (138هـ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015