نذكر في هذه الفترة بعض الولاة الذين كان لهم السبق في موضوع الجهاد في بلاد فرنسا، وعلى سبيل المثال: السمح بن مالك الخولاني رحمه الله، كان والياً في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، الذي حكم المسلمين من سنة (99هـ - 101هـ) أي: سنتين وستة أشهر على الأكثر، وفي هذه الفترة القليلة عم الرخاء والأمن والعدل في بلاد المسلمين، وكانت اختيارات عمر بن عبد العزيز موفقة رحمه الله؛ فاختار السمح بن مالك الخولاني القائد الرباني المشهور في التاريخ الإسلامي، وهو الذي انطلق إلى بلاد فرنسا، والتي كان فيها مدينة واحدة إسلامية وهي مدينة أرجونة التي فتحها موسى بن نصير بسرية من السرايا، ففتح السمح بن مالك الخولاني كل منطقة الجنوب الغربي لفرنسا، وأسس مقاطعة: ضخمة جداً اسمها مقاطعة سبتمانيا، وتعرف هذه المقاطعة الآن بساحل الريفيرا الموجود في فرنسا، وكثير من المسلمين الآن يذهبون إلى منطقة الريفيرا للتنزه وللجلوس على شواطئ هذه المناطق، التي تعتبر من أشهر المنتجعات السياحية في العالم، لكن انظر ماذا فعل المسلمون في السابق؟ فقد دخلوا هذه البلاد فاتحين، وحكموا منطقة الريفيرا بشرع الله سبحانه وتعالى، ودامت لهم السيطرة عليها سنوات عديدة.
واستكمل السمح الفتوح، وأرسل من يعلم الناس الإسلام سواء في فرنسا أو في منطقة الأندلس، ثم لقي ربه شهيداً رحمه الله، وكان استشهاده في يوم عرفة سنة (102) هجرية.
وتولى من بعده بعض الولاة، ومنهم عنبسة بن سحيم رحمه الله، وكثير من الناس لا يسمعون عن هذا الرجل القائد التقي الورع الإداري العسكري المسلم المشهور في التاريخ الإسلامي، كان مجاهداً حق الجهاد، حكم المسلمين في بلاد الأندلس من سنة (103) إلى سنة (107) هجرية، ووصل في جهاده إلى مدينة سانس، والتي تبعد (30) كيلو متر من باريس في أقصى شمال فرنسا، ومعنى ذلك أن عنبسة بن سحيم رحمه الله قد فتح (70%) من أراضي فرنسا، ومن قبله السمح بن مالك الخولاني رحمه الله، ثم استشهد عنبسة بن سحيم وهو في طريق عودته.
ثم بدأت الأمور تتغير في بلاد الأندلس، فقد تولى من بعد عنبسة بن سحيم مجموعة من الولاة، كان آخرهم الهيثم الكلابي، كان متعصباً لقومه ولقبيلته، فبدأت تحدث خلافات بين المسلمين العرب والمسلمين البربر بحسب العرق والعنصر، وهذا أمر لم يحدث في تلك المناطق من قبل، فدارت مشاحنات، ومعارك بين العرب والبربر في هذه المنطقة.
ثم من الله على المسلمين بـ عبد الرحمن الغافقي رحمه الله، الذي ألغى العصبيات، وأعاد الدين من جديد، ووحد الصفوف، وبدأ يبث في الناس روح الإسلام الأولى التي جمعت بين البربر والعرب، والتي لم تفرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.