المعاهدة التي تمت بين محمد بن يوسف بن الأحمر وملك قشتالة

عقد محمد بن يوسف بن الأحمر أو محمد الأول عقد معاهدة مع ملك قشتالة كان فيها: أولاً: أنه يدفع الجزية لملك قشتالة، وهذا يدل على مدى التهاوي في حال الأمة الإسلامية، فقد كانت دولة الموحدين تسيطر على أطراف كثيرة جداً في بلاد الأندلس، وعلى أماكن كثيرة جداً في إفريقيا، لكن ما حدث بعد السقوط هو أن ملك غرناطة يدفع الجزية لملك قشتالة وهي (150) ألف دينار ذهب كل سنة.

ثانياً: أن يحضر بلاطه كأحد ولاته على البلاد.

ثالثاً: أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علناً.

رابعاً: أن يسلّمه ما بقي من حصون جيّان وأرجونة وغرب الجزيرة الخضراء حتى طرف الغار، وتقع كلها في غرب غرناطة، وبذلك يسلم ابن الأحمر مواقع بمنتهى الخطورة لـ فرناندو الثالث ملك قشتالة تحيط بغرناطة.

خامساً: أن يساعده في حروبه ضد أعدائه إذا احتاج له، فأول حرب يدخل فيها ملك قشتالة بعد هذه المعاهدة هي الحرب ضد إشبيلية، فطلب من ابن الأحمر أن يساعده في فتح إشبيلية فيسمع ويطيع، فجهز ابن الأحمر فرسان المسلمين، وذهبوا في مقدمة جيوش قشتالة ليحاصروا إشبيلية سنة وخمسة شهور، وهذا أمر في منتهى العجب، وهو أن ابن الأحمر وجيش غرناطة وشعبها يحاصرون مدينة إشبيلية المسلمة المجاورة، التي كانت مجرد محافظة أو مدينة مع مدينة غرناطة في دولة واحدة هي دولة الأندلس، لكن انظر إلى الانهيار الكبير جداً في أخلاق القادة والشعوب، شعب تحرك ولم يتأثر لحصار إخوانه المسلمين الموجودين هناك في مدينة إشبيلية.

يستغيث أهل إشبيلية بكل من حولهم، فالمغرب مشغولة بالثورات الداخلية، وبنو مرين يصارعون الموحدين في داخل المغرب، وغرناطة تحاصر إشبيلية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي (27) رمضان في سنة (646هـ) بعد (17) شهر تسقط إشبيلية بأيدي المسلمين ومن عاونهم من النصارى، ويغادر أهل إشبيلية البلاد وعددهم أربعمائة ألف مسلم يهجّرون ويشرّدون من إشبيلية، فتسقط إشبيلية ثاني أكبر مدينة في الأندلس، تلك المدينة ذات التاريخ المجيد والعمران العظيم، أعظم ثغور الجنوب، ومن أقوى حصون الأندلس، لكن واحسرتاه على المسلمين تُفتح حصونهم وتدمّر قوتهم بأيدي المسلمين وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا وأصبح لا يرى في الركب قوم وقد عاشوا أئمته سنينا وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا؟ المسلمون يحاصرون المسلمين، والمسلمون يقتلون المسلمين، والمسلمون يشردون المسلمين، هذا كان واقع هذه البلاد في سنة (646هـ) تختفي إشبيلية إلى الأبد من على الخارطة الإسلامية، والذي فيها مسجد إشبيلية الكبير، الذي أسسه يعقوب المنصور الموحدي بعد انتصار الأرك الخالد بغنائم الأرك، والذي صار إلى اليوم كنيسة يعلق فيها الصليب ويُعبد فيها المسيح، بعد أن كانت ثغراً من أعظم ثغور الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهكذا لم تبق في سنة (646هـ) في بلاد الأندلس بلاد مسلمة إلا غرناطة وما حولها من القرى والمدن، فهي تمثل (15%) من أرض الأندلس، وتضم ثلاث ولايات متحدة سوياً: ولاية غرناطة، وولاية ملقة، وولاية ألمرية، وهي جميعاً تحت حكم ابن الأحمر، وإن كان هناك شيء من الاستقلال في داخل كل ولاية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015