السؤال الثاني: كان من الممكن للمسلمين أن ينتصروا سابقاً عندما كانت الأسلحة سيوفاً وغيرها لكن انتصارهم في هذا الوقت الذي نعيش فيه من الصعب بمكان، وليس كما سبق في تاريخ المسلمين؟ أقول: إن الذي سأل هذا السؤال لم يفهم أمرين هامين من الأمور التي تحدثنا عنها في هذه السلسلة: الأمر الأول: أن من سنة الله سبحانه وتعالى أن أمة الإسلام لن تموت، وأنه لا بد من قيام بعد السقوط مهما بلغت قوة الباطل وتعاظمت قوة الكافرين، ومهما ضعفت قوة المسلمين، قال تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [آل عمران:196].
الأمر الثاني وهو في الحقيقة أمر هام جداً: أنه لم يفهم طبيعة المعركة بين الحق والباطل، فهي ببساطة معركة بين أولياء الله سبحانه وتعالى وأولياء الشيطان، وأولياء الله سبحانه وتعالى هم الذين ينتصرون على أولياء الشيطان مهما تعاظمت قوة أولياء الشيطان، فهل من الطبيعي بالقياسات القديمة والحديثة أن يحقق المسلمون النصر في معاركهم السابقة، فينتصر اثنان وثلاثون ألف مسلم في القادسية على مائتين وأربعين ألف فارسي في بلدهم وفي عقر دارهم، وينتصر تسعة وثلاثون ألف مسلم في اليرموك على مائتي ألف رومي، وثلاثون ألف مسلم في تستر على مائة وخمسين ألف فارسي، فانتصر المسلمون فيما يقرب من ثمانين موقعة متتالية خلال سنة ونصف؟ وهل من الطبيعي كما درسنا في فتوحات الأندلس أن اثني عشر ألف مسلم ينتصرون على مائة ألف في موقعة وادي برباط؟ فهذه أمور ليست من الطبيعي أن تحدث حتى بقياسات الماضي، وهذا لغز صعب جداً لا تفهمه إلا بطريقة واحدة وهي أنك تفهم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحارب الكافرين، قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].
ويقول سبحانه وتعالى في سورة محمد عليه الصلاة والسلام: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4].
هكذا فإن الله سبحانه وتعالى يختبر المؤمنين بحربهم مع الكافرين؛ ونحن يجب ألا نظن أن ربنا سبحانه وتعالى محتاج لنصرة المؤمنين، لكي ينتصر على اليهود أو الأمريكان أو الروس أو غيرهم من أمم الأرض الذين اجتاحوا دول المسلمين، فمن فضل الله سبحانه وتعالى ومنِّه وجوده وكرمه أن منّ علينا أن نكون جنوداً من جنوده سبحانه وتعالى، أنتم تسترون قدرة الله سبحانه وتعالى في هزيمته للكافرين وتأخذون الأجر على ثباتكم في هذا الموقف أمام الكفار، فالذي يقول: إن الموقف في الماضي مخالف عن الموقف في الحاضر؛ لأن حروب الماضي مختلفة بالكلية عن حروب الحاضر، وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي نصر الصحابة ونصر من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، كأنه يقول -وحاشا لله من هذا-: إن الله كان قادراً على عاد وثمود وفارس والروم، لكنه -ونعوذ بالله من ذلك- ليس بقادر على أمريكا وروسيا وإنجلترا واليهود ومن حالفهم وشايعهم من الأمم الحاضرين المقاتلين لأمة الإسلام.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15].
ويصف الله حال الكافرين، فيقول سبحانه وتعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر:43 - 44].
لكن المهم في الموضوع الذي يشغل الإنسان المسلم الحريص على دينه هو: أين دوره في قيام أمة المسلمين اليوم؟ وأين دوره في الانتصار الذي يشبه انتصار الزلاقة أو غيرها من مواقع المسلمين الخالدة؟ إن كان قيام أمة المسلمين بك، فأنت مأجور حتى لو لم تر نصراً، وإن كان القيام بدونك، فقد ضاع عليك الأجر حتى لو كنت معاصراً للتمكين، فالشيء الذي لا بد أن يشغل كل مسلم هو كيف يكون له دور في إعادة بنيان الأمة المسلمة، بعد السقوط الذي تحدثنا عنه في درس سابق.
أما موقعة الزلاقة فقد كانت في سنة (479) من الهجرة، وكان قائد النصارى في موقعة الزلاقة هو ألفونسو السادس، الذي مات في بيته بعد الموقعة بشهرين أو ثلاثة كمداً وهماً وحزناً بعد الهزيمة الساحقة لجيشه في هذه الموقعة، وقد بترت فيها ساقه، وضاع معظم أو كل الجيش الصليبي في هذه الموقعة، واستخل