قَالَ: (الْعلم الضَّرُورِيّ: مَا لم يَقع عَن نظر واستدلال.
كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الَّتِي هِيَ: حاسة السّمع، وَالْبَصَر، والشم والذوق واللمس، أَو بالتواتر.
أَقُول: لما فرغ من حد الْعلم أَولا أردفه بِالْجَهْلِ اسْتِطْرَادًا؛ لِأَنَّهُ يُقَابله، ثمَّ شرع فِي تَقْسِيم الْعلم، وانه يَنْقَسِم إِلَى ضَرُورِيّ وَغَيره.
وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا: الْحَادِث، لَا الْعلم الْقَدِيم؛ فَإِن علمه تَعَالَى لَا يُقَال لَهُ: " ضَرُورِيّ " وَلَا " اكْتِسَاب ".
بِخِلَاف علم الْعباد؛ فَإِن الْأَشْيَاء إِذا علمت بِأحد الْحَواس من غير نظر واستدلال كَمَا لَو سمع نهيق حمَار: علم أَنه صَوته، وَكَذَا صَهِيل الْفرس.
وَكَذَا من رأى لوناً أَبيض أَو أسود، أَو مس جسما علم أَنه ناعم، أَو خشن، أَو شم رَائِحَة علم أَنَّهَا طيبَة أَو كريهة، أَو ذاق طَعَاما: علم أَنه حامض أَو مر.
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء يعلمهَا الْإِنْسَان بديهيا من غير نظر واستدلال، وَلَا يُمكن اندفاعها عَن علمه، بل بِمُجَرَّد حُصُول الصَّوْت فِي الْأذن أدْرك مَعْنَاهُ.
وَكَذَا فتح الحدقة فِيمَا يُمكن رُؤْيَته.
وَكَذَا ملاقاة بشرة الملموس، وَكَذَا نشق الْهوى للرائحة.