أحدهما: أنه لا يحل لمسلمٍ أن يسكن بلادَ المشركين، فيكون منهم بقدر ما يرى كلُّ واحدٍ منهما نار صاحبه، قال: فجعل الرؤية للنار، وإنما الرؤية لصاحبها، ومعناه: أن تدنو هذه من هذه.
والوجه الآخر، يقال: إنه أراد بقوله: «لا تراءى ناراهما» ؛ يريد نار الحرب، قال الله -تعالى-: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64] ، فيقول: فناراهما مختلفتان؛ هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف يتفقان؟ !، وكيف يساكن المسلم المشركين في بلادهم، وهذه حال هؤلاء وهؤلاء؟! هذا الوجه الثاني أوقع في معنى الحديث، وما سيق له التعليل بذلك في تحريم المساكنة، والله أعلم.
وأما أمره - صلى الله عليه وسلم - بنصْف العقل، فيحتمل أن يكون إنما أهْدَر النِّصْفَ الثاني؛ لأنهم أعانوا على أنفسهم، حيث أقاموا بدار الكفر، وعَرَّضوا أنفسهم بذلك للقتل، والله أعلم.
وفي هذا الحديث ردٌّ على من زَعمَ أنْ لا دِيَةَ لمن أقام من المسلمين بدار الحرب، مع إمكان الخروج، حتى أصابه المسلمون في مَعَرَّة الاقتحام، وإليه ذهبت المالكية (?) . *****