بتعمّد التّعدي والظلم، وغُرْمُ المال المتلف ثابتٌ على كل حالٍ من قصد الغَصْب، أو ظنّ الاستباحة والحِلِّيَّة، أو غير ذلك من الأحوال؛ بل يجب ذلك مع الأحوال التي لا يقع عليها التكليف، كالناسي والطفل: جَعَل الشرع ذلك كلَّه أسباباً للتَعَبُّد (?) بالغرم، فلم يتوقف إغرام المتلفات من الأموال على قصد التَعَدِّي فقط.
وأما أمر القود والقصاص: فمن باب العقوبة والعذاب؛ فلم يثبت إلا على من تعمد ظلماً، لكن قد ينبغي أن يقال: فإذا سقط القود من مثل ذلك؛ لكونه لم يتعمد العدوان؛ فكان يجب أن يعقبه العقل والأرش إذا كان التأويل باتفاق، كالحال في جنايات الخطأ، فيكون ذلك فرق ما بين التأويلين في الدماء، كما كان الغرم فرق ما بين التأويلين في الأموال؛ فهو قول صحيح، ووجه ظاهر مستقيم، وهو الأرجح عندي، والله أعلم.
ونحوه يقول أبو محمد بن حزم (?) ، قال في أهل البغي: إن خرجت طائفة، إما بتأويلٍ خطأ: كالخوارج ومن سَلَكَ تلك الطريق، وإما بلا تأويل، لكن طلب رئاسة، أو تعصباً لإنسان بعينه، أو لأهل بيتٍ بعينه، لا لإنكار منكر؛ فإنَّ هاتين الطائفتين هي الطائفة الباغية، ففرضٌ على أهل العدل قتالهم، إمَّا حتى يفيئوا إلى الله، ويتركوا طلبهم للريّاسة (?) ، وتأويلهم الفاسد، فإذا تركوا ذلك؛ فلا شيء عليهم إلا القود في المتعصّبةِ وطالبةِ الدُّنيا فيمن قَتَلوا، أو
الدِّية، يعني: إذا قَبِلَ ذلك منهم أولياءُ المقتول.
قال: وأما المتأولة: فالدية فقط، ولا قودَ في ذلك، وكلهم يضمنون ما أتلفوا من الأموال.
وعند الشافعية قولان: أحدهما ما تقدم من قول الشافعي وتفصيله.