واختاره
وفضّله، فمن وصفَ شيئاً من ذلك بَعْدُ بغير ما وصَفَه الله -عز وجل- مما ينافيه ويضاده؛ فقد كذَّب بما أعلم به الله من ذلك في كتابه وتواتر عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلم من دين الأمة ضرورة، وذلك هو نفس الكفر وصريحه، وهذا مأخذ في الاستدلال على هذا المعنى، وإن لم أقف عليه نصاً على هذا المسلك لأحد، فهو نظر صحيح لا يعترض، بل إن لم يكن هذا هو المستند، فلا يوجد على القتل دليل يُرضَى.
ومما يزيد -عندي- هذا المأخذ -الذي أنا من صحته على يقين- وضوحاً في ذلك: قول الله -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} [الأحزاب: 57] ، فجعل -تعالى- اللعنةَ والوعيد لمن آذى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - مأخذةً، مع اللعنةِ والوعيدِ لمن آذى الله سبحانه وتنزَّهَ، إذا هو وصفه بغير صفته، أو نَسَب إليه ما لا ينبغي في جلاله وعظمته وربوبيته، تعالى الله عما يقول المبطلون علوّاً كبيراً، وهو الكفر الصريح لا محالة.
فلمّا سوَّى اللهُ -تعالى- في ذلك مُؤْذِيَهُ بِمُؤْذي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفرق بينه وبين غيره من كافة المسلمين؛ فقال -تعالى- في الآية بعده: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58] ، وشتَّان بين هذا الوعيد والأول؛ كان ذلك أدلَّ دليلٍ على أن سبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنقصه وغير ذلك، مما يفضي إلى الاستهزاء والأذى: كفر بما أنزل الله -عز وجل-، وهذا كله دليل صحيح واضح، والحمد لله.
وإذا تقرر هذا؛ فكان يجب أنه متى تاب فاعل ذلك، وراجع الحق: أُقيل، على مذهب من يرى قبول توبة المرتد، وهم أكثر أهل العلم، إلا أني لا أعلم قالوا ذلك فيمن كان مسلماً قَبْلُ: إنما هو القتل بكل حال؟ فلعل ذلك محمول عندهم محمل إقامة الحدود: إذا وجبت أقيمت، ولا تغني التوبة في دفعها شيئاً، لكنه يلزمهم مثل ذلك في القضاء بقتل المرتد على كل حال، كما ذهب إليه أهل الظاهر وغيرهم ممن يقول به، ولذلك لم يلزمهم هنا هذا الاعتراض ولا الانتقاض.