معهم في شيءٍ من ذلك إلا الجِزية المضروبة، ومن شرط ذلك أن يكونوا بحيث تجري عليهم أحكام المسلمين وسلطانهم، وتُؤخذ منهم الجزية وهم صاغرون.
وأمَّا أهل العنوة -وهم الذين غلبهم المسلمون، واستولوا على رقابهم وبلادهم- فهؤلاء حكمهم حكم الأسرى، وحكم أراضيهم حكم غنائم المسلمين، فإذا أقرهم الإمام على الجزية وجب لهم حكمها، وكان الخلاف المتقدم في حَدِّ أقلِّ ما يضرب عليهم وأكثرهِ، وتفريق من فرَّق بين الغنيِّ والفقير، ومراعاة ما يحملون دون إجحاف.
واختلف أصحاب مذهب مالك: هل يكونون بذلك أحراراً؛ لأن استحياءهم لضرب الجزية من باب المنِّ عليهم، أو هُم على أحكام العبيد للمسلمين؟ (?) .
وأما أرضهم: فلا حقَّ لهم فيها باتفاق، وهي مِلْكٌ للمسلمين: إمَّا للجيش الذين غلبوا عليهم، تقسم فيهم كسائر المغانم، وإمّا فيءٌ موقوفةٌ لمصالح المسلمين، على حسب ما مضى
من القول، وذكر الخلاف في ذلك، فإن أقرّها الإمام في أيديهم على الخراج -على مذهب من رآها فيئاً-، كان لها حكم ذلك. فهذا فرق ما بين الصلح والعنوة.
وقد مضى ذكر الخلاف فيما يؤخذ من نصارى العرب.
والأرجح أنهم في الجزية وسائر الأحكام من أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم سواء مع أهل الكتاب، والله أعلم.
واتفق الجمهور على أنَّ الجزية لا تفرض على النساء والصبيان، ولا على العبيد، إلاّ على الرجال الأحرار البالغين، روي ذلك عن مالكٍ، وأبي حنيفة، والشافعي، وأبي ثور، وغيرهم (?) .