وأنَّ جميعه في مصالح المسلمين كافة.
وقد خولف الشافعي في إثبات الخمس (?) في الفيء؛ قال ابن المنذر (?) : «ووافق بعض أصحابنا الشافعيَّ في عامَّة ما حكيناه عنه، وخالفه في إيجاب الخمس من الفيء، قال: ولعمري! لا يُحفظ عن أحدٍ قبل الشافعي أنه أوجب في الفيء خمساً، كخمس الغنيمة» .
قلت: وأما المحفوظ على مذهب مالكٍ وأصحابه في هذا الباب، فتحصيله يرجع إلى ثلاثة أقسام:
فالأول: ما لم يُوجَف عليه، وذلك نحو ما كان من الجزية على الرؤوس، وخراج الأرضين، ومال الصلح، وعشور أهل الذمَّة وأهل الحرب إذا اختلفوا في تجارة، وما جَلاَ عنه أهل الحرب خوفاً من المسلمين قبل خروج جيشٍ إليهم، فذلك كلُّه حكمه عندهم حكم الفيء، لا خمس فيه، ولا حقَّ مُعيَّناً لأحد.
واختلفوا إن جلا الكفار عن شيءٍ بعد نزول الجيش عليهم، فقال بعضهم: هو كالأول على حكم الفيء؛ لأنه أخِذَ بغير قتال، وقال بعضهم: بل هو للجيش على حكم الغنائم؛ لأنهم أوجفوا عليه.
والإيجاف: قيل: هو المعروف في اللغة: وجَفَ الفرسُ والناقة وجيِفاً، وأوجفهما راكبهما إيجافاً، وهو سرعة السَّيْر والاجتهاد فيه (?) ، فيكون معنى قوله -تعالى-: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} [الحشر: 6] ، أي: ما قصدتم نحوه، وحَثَثْتُم إليه الخيل والرِّكاب، وهي الإبل -يعني: عند الغزو-، فإذا لم يغزوا فلم يوجفوا عليها. وقال قتادة في قوله -تعالى-: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} [الحشر: 6] : «ما قطعتم إليها وداياً، ولا سيّرتُم إليها دابّةً ولا