إياه بمزيلٍ عنه ملكه بحال، فمن أخذه بَعدُ، فإنما أخذه على ملك الأول، فوجب أن يرد عليه. ووجه تفريق مالك بين ما تركه الرجل من ماله وبين ما طرحه الإمام من المغانم عجزاً عن حمله، حيث رأى ذلك لمن أخذه: أن ملك الجيش لما غنموه لم يتقرَّر تقرر الأملاك المُتعيّنة بأيدي أربابها، فلم يلزم فيها مثل ذلك.
ووجه ما ذهب إليه الليث، والشعبي، وحكى مثله عن بعض الصحابة في إباحة ذلك لمن أخذه وأصلحه، أنَّ مالكه حين تركه يائساً منه فقد أباحه لكل من أخذه، فإذا حازه إنسان، فقد خرج عن ملك صاحبه بإباحته إياه، وقبض الثاني له.
وأما تَفْرِقةُ من فرَّق بين الدابة والمتاع، فهو غير خارجٍ عن هذا
الأصل، إلا أنه غلَّب في تارك الدابة حين يئس منها، أن ذلك لايكون إلا تخلِّياً عنها وإباحةً لمن شاء أخذها؛ لأن بقاءها دون قيٍّم عليها لا يكون معه حياتها، بخلاف المتاع وشبهه، قد يبقى المدة حتى يرجع إليه صاحبه، فلم يكن في تخليته إياه دليل على يَأْسِه منه، وإباحته لمن أخذه.
وأما اختلاف مالكٍ والشافعي في النفقة: هل يرجع بها على صاحب الدابة والسلعة، أو لا؟ فكلاهما ينتزع من قوله -تعالى-: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] ، فمن رأى أنه لا رجوع له بما أنفق، قال: لأنه أنفق ماله متطوعاً، فلم يكن له الرجوع على غيره، وهو لم يأمره، ولا التزمه له؛ لأنه أكل مالٍ بالباطل، ومن رأى له الرجوع بما أنفق قال: لأن إنفاقه لم يكن تطوعاً محضاً، لكن بشرط أن يتم له الملك، فلما لم يتم له ذلك، وحَصَلَ للآخر انتفاعٌ بما أنفق، كان لازماً له الغرم، وإلا فهو أكل مالٍ بالباطل.
* مسألة:
إذا غلب الكفار على شيء من أموال المسلمين، ثم غنمه المسلمون في جملة أموال الكفار، ففي ذلك خلاف بين أهل العلم يرجع إلى ثلاثة أقوال:
قول: إنه مِلْكٌ لصاحبه كما كان، يأخذه متى وجده، قبل القسم وبعده،