واستدلَّ من رأى أنّ الزيادة على ذلك ممنوعة، بأن الله -تعالى- فرض قتال الكفار، فوجب القيام بذلك، فلمَّا هادن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي أهل مكة، كانت تلك المدة مع العُذر الموجود أقصى ما يجوز في ذلك (?) .
وفرَّق الشافعي في السبب الموجب للهدنة، فرأى أن ما كان سبب الموادعة فيه تألف المشركين، رجاء أن يسلموا، أو يعطوا الجزية، ونحو ذلك من أنواع المصلحة التي من غير ضعفٍ بالمسلمين عنهم، فأقصى مدة ذلك أربعة أشهر، لا تزيد عليها، على أصحِّ القولين عندهم (?) ، وفي القول الثاني: يجوز فيما دون السَّنَة.
فدليل الأول: ما جعله الله أَجلاً للمشركين في سورة (براءة) لمثل ذلك، وذلك قوله -سبحانه-: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] ، ووجه الثاني، قالوا: لأن السَّنة مدة الجزية، فلا يُسامح فيها إلا بمال، وأما إن كان سبب المهادنة عنده الضعف بالمسلمين، والعجز عن مقاومة عدوهم، فيجوز ما بينه وبين عشرة أعوام؛ للدليل الذي تقدم ذكره في مدة صلح أهل مكة (?) .
فصلٌ
الصلح على المهادنة، والموادعة، يقع على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون مهادنة من الفريقين دون ذكر المال، فذلك جائز في موضع العُذر وطلب المصالح للمسلمين؛ لأن مهادنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مشركي مكة عام الحديبية كانت كذلك من غير مال.
والثاني: أن تكون على مالٍ يؤديه الكفار، وذلك -أيضاً- جائز؛ لأن أخذ المال منهم على ذلك صَغارٌ لهم، وليس هو من سبيل الجزية في شيء؛ لأن حكم الجزية أن يكونوا بحيث يستولي عليهم نظر المسلمين وسلطانهم، ويستوجبون هم