فإذا تقرر من مستند الشرع وأقوالِ العلماء في ملاحظة ثبوت الأمان: مراعاة ما دلَّ عليه من قولٍ أو إشارة أو استشعار؛ فأقول: كلُّ لفظٍ على أي لغةٍ كان، واصطلاحٍ حدث، أو كتابة بأي خطٍّ في مثل ذلك، مما اصطُلح عليه، أو إشارةٍ ورمزٍ ونحو ذلك مما يُتفاهم بمثله، يُشْعِرُ به المسلمُ الحربيَّ أماناً، أو يستشعر منه الحربي الأمان، سواء أراده المسلم أو لا، فهو أمانٌ في الحال، مما وافق ما قصده المسلم من ذلك، ولم يكن فيه وجه من وجوه الفساد، ويجب إمضاؤه والوفاء به إلى غايته، وما لم يكن مراده منه التأمين، إلا أن الحربي نزل على ذلك مُستشعراً فيه أماناً، وجب فيه ردُّ الحربي إلى مأمنه، ثم يعود الأمر معه على أوَّله، ولا يحل اغتياله على هذا الوجه بحال، والدليل على صحة هذا الحدِّ: أن ما كان من

الأقوال المتعارفة في ذلك، فلزومه مما لا إشكال فيه، وكذلك على كلِّ لغة؛ لأن ذلك لا يلزم في اللسان العربي لخاصية أنه عربي، لكن من حيث هو وُضِعَ في التخاطب لإفهام الأمان، فكذلك سائر الألسنة (?) .

وأما الكتابة، وما يَجْرِي مجراها من الإشارة ونحوها، فكلُّ ذلك من باب الإصطلاح والإفهام، لا فرق بينه وبين الكلام، والحكم في ذلك للمعنى والإفهام، لا لمجرد اللفظ، وفيما ثبت من كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الكفر يدعوهم إلى الإسلام، وإشارته -كما تقدم- لأصحابه في غير ما موضع، وإشارةِ التي رضخها اليهودي بالحجارة، فأشارت إليه - صلى الله عليه وسلم - برأسها، وقد سألها عن قاتلها: أن لا، حتى سألها الثالثة، فقالت: نعم؛ وأشارت برأسها؛ فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حجرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015