سبياً من سَبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العُزْبة، وأحببنَا الفداء، فأردنا أن نَعْزِلَ، فقُلنا: نَعْزِلُ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأله؟، فسألناه عن ذلك فقال: «ما عليكم أن لا تفعلوا، ما مِنْ نَسَمةٍ كائنةٍ إلى يوم القيامة إلاَّ وهي كائنة» .
ووجه ما ذهب إليه من مَنع في الجميع -كما يقول أبو حنيفة- (?) هو ما زعم
من أنَّ في ردِّهم إليهم تقويةً للعدو، وكأنه يرى الفداء مَنسوخاً، وقد تقدَّم الرد على هذا المذهب (?) .
ووجهُ من منع فداء الرجال بالمال خاصةً، حملُ مدلول الفداء في الآية على المفاداة بالمسلمين؛ لأن ذلك مما لا يُختلفُ في أنه يتناوله اللفظُ؛ فأمَّا فديةُ المال فلا دليل على أنَّه مرادٌ في اللَّفظ؛ لأن ظاهر الفداءِ والمفاداةِ في اللُّغة للمعنى الأول من حيثُ هو مصدر فَاعَلَ، وهو يكون غالباً فعلَ اثنين يتساويان فيه على حَدٍّ، فظاهر مدلول الفداء يقتضي أن يوجدَ في كل جانبٍ أسيرٌ يُفْدَى ويُفْدَى به، كالقتال والسِّباب ونحو ذلك، وحملوا ما وقع من فِدْيةِ المال في أسارى بدرٍ على وجوه من التعليل، من ذلك قول بعضهم: إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عَلِمَ بإعلام الله -تعالى- إيَّاه أنه سيظهر عليهم بَعْدُ، فكان في قبولِ الفِدْية مصلحةٌ للمسلمين وتَعجيلُ نَفْعٍ، وتقويةٌ على عدوهم، ثم كأنهم بَعْدُ في حُكْمِ المأسورين بما وَعَدَ من الظهور عليهم، وفي هذا التأويل إبعادٌ، والقولُ بجواز ذلك أرجح، إلا أن يعرض في شخصٍ ما أو حالٍ أو وقتٍ أمرٌ، يكون في فِعْلِ ذلك معه ضَررٌ للمسلمين؛ إمَّا لأن الشخصَ المُفْدَى ذو دهاءٍ ومكرٍ وانتهاضٍ بالحرب، أو لأنَّ في عدد الأسرى المرجوعين إليهم من الكثرة ما يُتَّقى في ذلك الوقت من عائدته على المسلمين، وما أشبه ذلك، فيمنع بحسب العارض، لا أنه محظورٌ في الأصل، والله أعلم.