الممانعة، ويتقرر على هذا: أنه لا يسوغ الأسر إلا بعد الإثخان، كما قال سعيد، ثم يكون الاجتهاد فيهم بعدُ بالوجوه المذكورة للإمام؛ قال مجاهد (?) : الإثخان: القتل، وقال محمد بن إسحاق صاحب «المغازي» (?) : «حتى يثخن في الأرض: أي: ثخَّن عدوَّه حتى ينفيه من الأرض» . وقال أبو عبيدة (?) : معناه: حتى يغلب ويبالغ. وهذا الوجه الذي قرَّرنا الاستدلال عليه هو -إن شاء الله- أَرجْحُ الأقوال؛

لأن اعتقاد النَّسخ لا يَحسنُ إلا حيثُ يقوم عليه الدليل بالتوقيفِ ونحوه، أو حيث لا يمكنُ الجمعُ البَتَّة، ويُعلمُ المتأخِّرُ مع ذلك، فيكون هو الناسخ، وإلا فهو ظَنٌّ، والله -تعالى- يقول: {وإَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم: 28] ، فإذا تقرر ذلك فالأسرى يجوز فيهم للإمام القتلُ والمنُّ والفداءُ، وكذلك الاسترقاقُ، هذا ما لم يختلف فيه الصَّائرون إلى هذا المذهب: مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثورٍ، وأحمد، وأبو عبيدٍ، وغيرهم، ومنع أبو حنيفة المَنَّ والفداء، وخيَّر بين الاسترقاق والقتل (?) .

فأمَّا ضرب الجزية؛ ففي شروط ذلك والقول به عامَّاً في الكُفَّار أو خاصّاً خلافٌ، نذكره -إن شاء الله- في (الباب التاسع) ، حيثُ أَفْرَدْناه للجزية وأحكامِها، ونتعرض في هذا الموضع للتنبيه على أحكام سائر الوجوه غيرِ الجزية، وذكر مسائل مما يتعلق بذلك -إن شاء الله تعالى-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015