وهذا هو الصحيح؛ لأن نَصَّ القرآن إنما جاء بالعدد.
وقيل: إن ذلك راجعٌ إلى الجَلَد والقوة، فإذا كان المشركون أشدَّ سلاحاً، وأظْهَرَ جَلَداً وقوة، والمسلمون في ضَعْفٍ من أبدانهم، ودوابهم، وسلاحهم، بالأمر البيِّنِ المجاوزِ لحدِّ المثلين في القوة، فخافوا أن يغلبوهم؛ لم يجب عليهم الثبوت، وكانوا في سعةٍ من التولِّي عنهم، وإن كان المشركون أقل من مثليهم عدداً، وهو قول ابن الماجشون، ورواية عن مالك، وبه قال عبد الملك بن حبيب (?) .
وأما الموضع الثالث؛ وهو: هل لجمع المسلمين الذين يباح لهم الفرار عند زيادة المشركين على مثلهم (?) حَدٌّ (?) ، إذا انتهى المسلمون إليه، حَرُمَ الفرار أبداً، وإن عظمَ جمعُ الكفار، أو ذلك مطلق لكلِّ جَمعٍ من غير تحديد؟
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنَّ ذلك مُطْلق، وأنَّ كُلَّ جَمعٍ من المسلمين بالغاً من العدَّة والكثرة ما بلَغَ، إذا لاقوا أكثر من ضِعْفهم من الكُفَّار، لهم سَعَةٌ في أن يُوَلُّوا إذا خشوا الغلبة، وعليه مذهب الشافعي وأصحابه (?) ، ودليل هؤلاء، أن الله -تعالى- فَرضَ الصَّبر على المثلين دون ما زاد على ذلك فَرْضاً مُطلقاً، لا يختصُّ به عددٌ دون عدد، وذهب قومٌ إلى أنه لا يُباح الفرار عَمَّا فوق الضِّعف من الكفار، إلا لمن لم يبلغ جمعهم من المسلمين اثني عشر ألفاً، فإذا بلغ جمع
المسلمين اثني عشر ألفاً، فقد انْحَتَم العَزْمُ، ولزم الصَّبْر، وحَرُمَ حينئذٍ الفرار، بالغاً