على إرادتها وتَمنِّيها؟! فقيل: يحتمل أن يكون النهي عن ذلك لما يتقى وقوعه مع حالة التمني من إضاعة الحزم، وترك الإعداد للعدو، إذ يكون مع التمنِّي استسهالٌ للأمر، وتهاونٌ بالعدو، وتركٌ للحذر، وفي ذلك ضررٌ كبير، هذا معنى ما ذكره المازري في «المُعْلِم» (?) ، ولا يبعد عندي أن يقال: إنما نُهي عن ذلك؛ لأن لقاءَ العدو شِدَّة ومكروه ينزل به، وهو محلُّ ابتلاءٍ من الله -تعالى- وامتحانٌ للعبد، قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31] ، وإذا كان كذلك، لم يؤمن أن يكون ثمَّ تَقْصيرٌ أو خذلانٌ ببعض ذنوبه، وعجزٌ عن القيام بواجب حقوقه، فقد يَفِرُّ ولاَ يصبر، وفي ذلك شقاؤه، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: 155] .
ثم هذا ليس من تمني الطاعات في شيء، إنما هو تمني المكاره، ليكون منه عليها صَبرٌ بزعمه، وذلك ما لا ينبغي أن يفعله أحد، هذا مع ما في تمنِّي ذلك من
الاغترار، ومُشَاكَهةِ (?) أحوال البغي، وذلك مكروهٌ -أيضاً- (?) .
رُوِي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال لابنه: يا بُنَيَّ، لا تَدعونَّ أحداً إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فاخرج إليه؛ لأنه باغٍ، والله -تعالى- قد تضمَّن نصرَ من بُغي عليه (?) .