وبعضهم قد أفاض في الحديث مع النصارى ومناقشاتهم في هذه القضايا وغيرها فسلك مسلك الطول والإسهاب، وتوسع واستطرد في بعض القضايا التي قد يكون لها صلة، أو مناسبة، وذلك لأن الرد على شبه الخصم التي يثيرونها ضد الإسلام تحتاج الإجابة عليها في نظره إلى إحاطة وإحكام، لئلا تجد قلوبا ضعيفة، وعقولا خالية، فيلتبس الحق بالباطل ... وهذا منهج ابن تيمية- رحمه الله- في الجواب الصحيح.
ثم إن هناك أمرا آخر وهو السبب أو الدافع لتأليف الكتاب: فأكثر من رد على النصارى إنما فعل ذلك ردا على رسالة وصلت إليه أو كتاب اطلع عليه يطعن في دين الإسلام، وقد تكون الرسالة أو الكتاب متضمنا لقضايا غير التي ذكرت سابقا فلا يتحدث إلا فيما يهدف إليه الكاتب النصراني، ويكون حديثه عن هذه القضايا أو غيرهما من الشبه على قدر ما تستحق، ويرى ذلك كافيا في الرد على النصارى. كما يتضح من مقامع هامات الصلبان مثلا.
وقد يكون لسعة العلم والاطلاع وعلو منزلة المؤلف ومقدرته العلمية أثر في التوسع والاقتصاد في الحديث مع النصارى في كل ما يتعلق بعقيدتهم أو الشبهات التي يثيرونها.
ثم إن كل كتاب من هذه الكتب ألف في وقت يختلف عن الوقت الذي ألف فيه الآخر كتابه، من حيث الظروف السياسية والثقافية والفكرية والعقدية مما جعل كل واحد منهم ينهج في رده على النصارى ما يناسب فكره وعقيدته.
فهذا الجاحظ من السابقين في التصدي لشبهات النصارى إلا إنه لم يوفق في مناقشتهم على المذهب الحق الذي كان عليه الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، لأنه بنى مناقشته لهم على مذهبه الفاسد في تقديم العقل على النقل،