وقال (ص:36 ـ 37) : ((الدليل الثامن: قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} .
أقول: لولا أنَّ بعضَ الناس يورد هذه الآية للدلالة على فضل مسلمة الفتح وأمثالهم لَما أوردتُها هنا، فالآية من سورة الفتح التي نزلت قبل فتح مكة، وعلى هذا فالثناء الذي فيها على (الذين مع النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ينزل على المؤمنين يومئذ من المهاجرين والأنصار، ولا ينزل على مَن بعدهم، إضافةً إلى أنَّ المعيَّة تقتضي النُّصرةَ والتمكينَ أيَّام الحاجة والذُّلِّ والضَّعف)) .
ويُجاب عن قوله هذا:
أنَّ الآيةَ عامَّةٌ في الصحابة، وليس فيها ذِكر المهاجرين والأنصار، لكن المالكي قصَرها عليهم، حرصاً على حِرمان مسلمة الفتح من تحصيل الفضلِ الوارد فيها، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} ، وكون سورة الفتح ـ ومنها هذه الآية ـ نزلت قبل فتح مكة لا يدلُّ على قصْر ما فيها على مَن كان قبل نزول الآية، بل الحكم شاملٌ لكلِّ مَن كان معه إلى نهاية حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثمَّ إنَّ هذه الصفات للذين مع النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ذُكرت في التوارة والإنجيل، وهي لجميع الصحابة، فلا وجه لإخراج أحدٍ من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -