وقد ألقيتُ محاضرةً في قاعة المحاضرات في الجامعة الإسلامية في عام 1405هـ تقريباً عن معاويةَ بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكان عنوانها في أوَّل الأمر ((معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بين المنصفين والمتعسِّفين)) ، لكنِّي عند إلقائها اقتصرتُ على كلام أهل الإنصاف دون ذكر شيءٍ من كلام أهل الاعتساف، ثمَّ طُبعت بعنوان: ((من أقوال المنصفين في الصحابيِّ الخليفةِ معاويةَ رضي الله عنه)) .
وفي الآونة الأخيرة وقفتُ على رسالتين لأحد المتعسِّفين الجُدُد، وهو حسن بن فرحان المالكي (نسبة إلى بَنِي مالك في أقصى جنوب المملكة) ، إحداهما بعنوان: ((الصحابةُ بين الصُّحبة اللُّغوية والصُّحبة الشَّرعية)) ، والثانية بعنوان: ((قراءةٌ في كتب العقائد)) ، اشتملتَا على تَخبُّطٍ وتَخليطٍ في مسائل الاعتقاد، ولا سيَما في الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وعلى النَّيل من عددٍ كبيرٍ من علماء أهل السنَّة المتقدِّمين والمتأخِّرين، وإشادة بأهل البدع.
وسأقتصرُ في هذه الرسالة على دحضِ أباطيله في حقِّ الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
ومن هذه الأباطيل: تقسيمُه الصحبةَ إلى صحبةٍ شرعيَّة وصحبةٍ لغويَّةٍ، ويريدُ بالصُّحبة الشرعيَّة صحبة المهاجرين والأنصار من أوَّل الهجرة إلى صُلح الحُديبية، وأنَّ ما ورد من فضائل لأصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّما هي لهؤلاء وحدهم، ومَن كان بعد الحُديبية فصحبتُه لغويَّة كصحبة المنافقين والكفّار. فأخرج بذلك الألوفَ الكثيرةَ من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين أسلموا وهاجروا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الحُديبية، وكذلك الذين أسلموا عامَ الفتح، والوفودَ الذين وَفَدوا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرَهم، ومِن الذين زعم أنَّهم لَم يظفروا بشرف الصُّحبة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنَّ صُحبَتَهم إيَّاه