ولا شكَّ أنَّ هجوَ هذا الأعرابي الصحابي للأنصار لا يرجع إلى نُصرتهم للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنَّ ذلك نفاقٌ، وإنَّما يرجع لشيء غير ذلك، وسيأتي نقل ابن حجر عن القرطبي صاحب المفهم ما يوضح ذلك.
وقد يكون هذا الهجوُ أخفَّ من الذَّمِّ الذي أضافه المالكي للأنصار، وذلك بنسبته إلى أكثرهم كون علي رضي الله عنه أولى بالخلافة من أبي بكر، كما سيأتي عند ذِكر تشكيكه في أحقَّية أبي بكر بالخلافة،؛ فإنَّ ذلك سوءُ ظنٍّ بهم، وأنَّهم يأبَون إلاَّ غير أبي بكر، وقد قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
((يأبَى الله والمؤمنون إلاَّ أبا بكر)) .
ويدلُّ أيضاً لشمول الصُّحبة لكلِّ من رآه أو سَمع منه حديثاً وصحبه مدَّة وجيزة أو طويلة ما يلي:
الأول: أنَّ الذين دوَّنوا سنَّة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متَّفقون على ثبوت الصُّحبة لكلِّ مَن سَمِع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو كان الذي سمعه منه حديثاً واحداً؛ فإنَّهم يسوقون الأسانيد حتى تنتهي إلى الصحابة الذين سمعوا منه ويتَرضَّون عنهم، ومن طريقة أهل السُّنَّة والجماعة الترضِّي عن الصحابة عند ذِكرهم والتَّرحُّم على مَن كان بعدهم.
الثاني: أنَّ الذين ألَّفوا في الصحابة أثبتوا فيهم مَن حصل له مجرَّد اللُّقيّ للرَّسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومَن لَم يَروِ عنه إلاَّ حديثاً واحداً.
الثالث: أنَّ الذين ألَّفوا في الصحابة وغيرهم، عندما يأتي ذكر الصحابي ـ سواء قلَّت صُحبتُه أو طالت ـ يقولون عنه: صحابي، لا يحتاجون إلى إضافة شيء على هذا الوصف إلاَّ إذا كان الوصفُ فيه زيادة فضل ومنقبة، ككونه من السابقين إلى الإسلام أو مِن أهل بدر أو مِن أهل بيعة الرضوان، فإنَّهم يُضيفون ذلك إلى وصف الصُّحبة.