ثمَّ يغزو فئامٌ من الناس، فيُقال لهم: فيكم مَن رأى مَن صَحب رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فيقولون: نعم! فيُفتَح لهم، ثمَّ يغزو فئامٌ من الناس، فيُقال لهم: هل فيكم مَن رأى مَن صَحِب من صَحب رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فيقولون: نعم! فيُفتَح لهم)) رواه مسلم (2532) .
فهذا الحديث الصحيحُ دالٌّ على أنَّ الصُّحبةَ للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحصُل برؤيته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن لَم تطُلْ صحبتُه إيَّاه.
قال علي بن المديني ـ رحمه الله ـ في اعتقاده الذي رواه عنه اللالكائي بإسناده في كتابه ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/188) فساقه، وفيه: ((مَن صَحِبَه سَنةً أو شهراً أو ساعةً، أو رآه، أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصُّحبة على قدر ما صحبَه، فأدناهم صحبةً هو أفضلُ من الذين لَم يروه، ولو لقوا الله عزَّ وجلَّ بجميع الأعمال، كان الذي صحب النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعة أفضلَ بصُحبته من التابعين كلِّهم، ولو عملوا كلَّ أعمال الخير)) .
وقد ساق اللالكائيُّ في كتابه أيضاً (1/180) اعتقاد الإمام أحمد بإسناده إلى عَبدوس بن مالك العطَّار عنه، وفيه تعريف الصحابي وبيان فضيلة الصُّحبة بنحو كلام علي بن المديني المتقدِّم.
قال ابن تيمية في منهاج السنَّة (8/382 ـ 388) : ((ومِمَّا يبيِّن هذا أنَّ الصُّحبةَ فيها عمومٌ وخصوصٌ، فيُقال: صَحبِه ساعةً ويوماً وجمعةً وشهراً وسنةً، وصَحِبَه عمرَه كلَّه.
وقد قال تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} ، قيل: هو الرفيق في السَّفر، وقيل: الزوجة، وكلاهما تقلُّ صُحبتُه وتكثر، وقد سَمَّى الله الزوجةَ صاحبةً في قوله: {أَنَّى يُكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَهُ صَاحِبَةٌ} .
ولهذا قال أحمد بن حنبل في الرسالة التي رواها عَبْدوس بن مالك عنه: (