وأراد الله بهذا إعلام موسى أن أحداً لا يراه في الدنيا إلا لحقه ما لحق الجبل، فلما رأى موسى تدكك الجبل خر صعقاً أي مغشياً عليه1، وقيل ميتاً2، فلما أفاق قيل من غشيته، وقيل: ردت عليه نفسه، قال: {سُبْحَانَكَ} كلمة تنزيه لله وإجلال له {تُبْتُ إِلَيْك} أي من سؤالي الرؤية في الدنيا3 لهول ما أصابني لا لأنها مستحيلة ولا لأني عاص بسؤالي، كما يقول القائل: تبت إليك من ركوب البحر، ومن تكليم فلان ومعاملته، وإن كان ذلك كله مباحاً، ويحتمل أن يكون سؤاله الرؤية ذكرته ذنوباً قد كان تاب منها فجدد التوبة منها عند ذكرها لهول ما رأى، كما يسارع الناس إلى التوبة عند مشاهدة الأهوال4.
وقوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} يعني أول المصدقين من هذه الأمة أنك لا ترى في الدنيا5، وقال الحسن: "أنا أول المؤمنين بك لأنه أول من آمن في زمانه"6.
ومن الدليل على ما قلناه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} 7، أي ما يحيون به سلام، ومثله {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} 8