والجواب الثالث: أن حديث التفس لا يسمى كلاماً ويدل عليه شيئان:
أحدهما: أنه لو حلف رجل أن لا يكلم هذا اليوم فجلس يزور الكلام في نفسه وينظمه لم يحنث في يمينه، ولو نوى طلاق امرأته وعتق عبده لم يحكم عليه بطلاق ولا عتاق.
الثاني: أنه لو كان كلاماً لما صح نفيه عن الكلام بان تقول ما تكلمت وإنما وردت ذلك في نفسي.
والجواب الرابع: لو كان ما في النفس كلاماً لكان الساكت أو الأخرس إذا زور في نفسه كلاماً سمى متكلماً فيؤدي إلى كونه أخرس متكلماً أو متكلماً ساكتاً في حالة واحدة وهذا محال.
والجواب الخامس: أن الله أخبر عن السماء والأرض أنهما قالتا {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ، وأخبر عن الجوارح أنها تنطق يوم القيامة، وأخبر عن جهنم أنها تقول {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذراع المشوية أنها قالت: (إني مسمومة فلا تأكلني) ، وجميع ذلك ليس له نفس فعلم أن الكلام يتصور وجوده ممن لا نفس له1.
ويقال للأشعرية: قد قلتم إن كلام الله شيء واحد لا يتبعض، وقلتم: إن كلام الله ينقسم إلى أمر ونهي وخبر واستخبار، وهذه المعاني متغايرة متعددة وكذلك قلتم: إن لله صفات متعددة، وهي العلم والإرادة والحياة والقدرة والسمع والبصر والكلام، فلم نفيتم أن يكون القرآن ذو السور والآيات كلاماً لله حقيقة لكونه متعدداً مترتباً.
فإن قالوا إنما ينقسم الكلام إلى الأمر والنهي والخبر والاستخبار في القرآن الذي هو عبارة وحكاية عن كلام الله القائم بذاته، ولا ينقسم الكلام القائم بالذات إلى هذه المعاني2، قيل لهم: من شرط العبارة والحكاية أن