فضاق بالأشعري وابن كلاب النفس عن الجواب عن هذا، فوافقوهم أن هذا القرآن المتلو مخلوق كما قالوا، وادعوا أن هاهنا1 قرآناً قديماً يوصف بأنه كلام الله ينتفي عنه ضده2 وهو المعنى القائم بنفسه فهم قائلون بخلق القرآن الذي لا يعرف المعتزلة ولا غيرهم من المسلمين قرآناً غيره.
وادعت الأشعرية قرآناً وكلاماً لله لا يعقل ولم يسبقهم إلى هذا القول أحد من أهل الملل والنحل فردهم على المعتزلة بخلق القرآن تمويه وتستر بقول أصحاب الحديث، وهو مذهب مسقف باطنه الاعتزال وظاهره التستر3.
وأما الجواب عما أورده من الاستدلال فمن وجوه:
أحدها: أن يقال لهم جميعاً: ما الدليل على أن الكلام إذا كان ذا تأليف وترتيب كان مخلوقاً، فإنهم لا يجدون عليه دليلاً من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من الإجماع ممن قبلهم من أهل العلم، فإن قالوا: لأنه4 بصفة كلام المخلوقين، قلنا لهم، فليس اجتماع الشيئين في صفة يدل على اجتماعها في جميع الصفات، فيلزمكم أن لا تصفوا الله بأنه متكلم لهذا المعنى5 كما قالت المعتزلة، ويلزم المعتزلة أن لا يصفوا الله بأنه موجود ولا شيء لأن ذلك صفات للمحدثات6.