83- فصل
ومن الأدلة لنا أن لله أن يفرض على عباده ما لا طاقة لهم به قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ} 1، ففرض الله على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار على الإطلاق والعموم أي2 عدد كانوا، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً} وهذا أمر بلفظ الخبر3، فأمر الواحد بقتال العشرة ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 4، فخفف الله عنهم وأمر الواحد بقتال الاثنين. والدليل على أنه أمر أن خبر الله لا يكون بخلاف مخبره، وقد يكون الواحد منهم يغلب العشرة منا5، وأيضاً فإنه قال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} والتخفيف لا يكون إلا فيما فرض وألزم6.
فأجاب المخالف القدري عن هذا وقال: هذا لا حجة فيه للمستدل بل الحجة عليه، لأنه لم يكلفهم إلا ما كانوا يستطيعونه في ذلك الوقت فلما علم ضعفهم فيما بعد خفف عنهم.
والجواب: أن الصحابة الذين نزل فيهم {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} هم الذين نزلت فيهم الآيتان الأوليان وحالتهم واحدة في قوة