وللمتفضل أن يترك التفضل بما تفضل به، فلو كلف الله العباد بما يثقل عليهم من العبادات وما لا طاقة لهم به كان ذلك جائزاً منه1 ولا يكون ظالماً لهم، وكذلك لو لم يثبهم على عمل الطاعة لم يكن ظالماً لهم، ولو أثاب من عصاه وأدخله الجنة لم يخرج بذلك عن الحكمة2، ولكنه سبحانه قد أخبر أنه ثيب المطيعين بفضل منه ويعذب الجاحدين بعدل منه، فاستحقاقه للحكمة، لذاته لا لفعله الحكمة3، إذ هو موصوف بالحكة قبل أن يفعل الحكمة، وقبل أن يخلق الواصفين له بها، وثبت له أن يتصرف بالعباد كيف شاء لأنهم ملكه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وقالت المعتزلة والقدرية: لا يجوز من الله في الحكمة إلا ما يجوز من الحكيم مِنَّا، ولا يجوز أن يوصف الله بتكليف العبد ما لا يطيقه، وقد خلق الله المكلفين تعريضاً للمنافع لهم ليصيروا إلى أسنى المنازل، ولا يفعل بهم إلا ما فيه لهم المصلحة، وإن فعل بهم غير ذلك فقد ظلمهم4.