48- فصل
ومن الأدلة المذكورة قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 1 في آي كثيرة، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} 2 وهذا عام فيما أورده من فعل نفسه وفعل عباده، ولولم يتم ما يريد من ذلك لحقه الوصف بالعجز ويتعالى عن ذلك علوا كبيراً.
فأجاب القدري المخالف وقال: لا حجة لهذا المستدل لأن أفعال العباد غير مخلوقة لله فتخرج بجريانه3 عن عموم قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وإنما العباد هم الخالقون لأفعالهم والعجز يلحقه إذا لم يتم ما أراد4 من فعل نفسه، فأما إذا لم يتم ما أراد5 من فعل غيره فلا يلحقه بذلك الوصف بالعجز، لأنه لم يرد مغالبتهم بل أراد فعلهم للطاعة باختيارهم وأمهل من عصى منهم إلى اليوم الموعود، فإقدامهم على ما لم يرد لا يدل على عجزه، كما أن السيد إذا قال لعبده: أعمر هذه الدار في هذا الشهر، فإن فعلت ذلك أعتقتك، وإن لم تفعل ذلك عاقبتك بعد الشهر، فإذا لم يفعل العبد ما أمره به السيد لم يدل ذلك على عجز السيد عن الانتقام منه بل يدل على حلمه، وعلى هذا6 المعنى نبه قوله تعالى7: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} 8 الآية.
والجواب عما أورده في ثلاثة فصول: