الإفراج لك عن الطريق لتذهب من حيث جئت فلا سبيل إليه، وأما تعيين موضع تقصده فليس ذلك إليّ، وأما نزولك على حكم يزيد فلا والله ما تنزل إلا على حكمي.
فقال الحسين- كرم الله وجهه-: الموت تحت ظلال السيوف أحب إليّ من النزول [8 ب] على حكمك، وتواعدوا للقتال فحين التقى القوم لم يرم أحد من عسكر عبيد الله سهما ولم يسل سيفا. فقال عبيد الله بن زياد: من أتانى برأس الحسين فله الرىّ. فتقدم إليه عمر «46» بن سعد بن أبى وقّاص وقال له: أيها الأمير اكتب لي عهد الرىّ حتى أفعل ما تأمر في الحال فكتب وسلّم إلى عمر فتقدم وانتزع سهما من كنانته ورمى به الحسين فوقع في نحره فسال دمه على صدره ولحيته فأخذ الدم بيده ورمى به إلى فوق وصاح: اللَّهمّ هذا فعالهم بابن بنت نبيّك. ثم تكاثروا عليه وجاء الشمر- لعنه الله- فاحتزّ رأسه ووضعه في مخلاة فيها تبن وحمله إلى عبيد الله بن زياد فنفذه عبيد الله على هيئته تلك إلى يزيد وكان يزيد نازلا على أنطاكية محاصرا لها.
فلما كان الرسول في بعض الطريق [و] أجنّه الليل عدل إلى دير فيه رهبان فبات فيه فحين انتصف الليل قام بعض الرهبان لشأنه فرأى عمودا من نور متصلا بين تلك المخلاة وبين السماء «47» فتقدم إلى المخلاة وفتّشها فوجد الرأس فيها فقال: لا شك أن هذا رأس المقتول بكربلاء، فمضى وأخبر بقية الرهبان، فحين جاءوا ورأوا تلك الصورة أسلموا كلّهم على الرأس وجعلوا الدير [مسجدا] وكانوا سبع مائة راهب. ثم لما حمل رأسه إلى يزيد قال: إني كنت أقنع من طاعتكم بدون هذا، لعن الله ابن مرجانة، يعنى عبيد الله، لو كان له في قريش نسب لما فعل مثل هذا الفعل [9 أ] ثم أمر فغسل بماء الورد دفعات وكفّن في عدة أثواب دبيقية. وكان بحضرة يزيد جماعة من أهل عسقلان فسألوه أن يدفن عندهم فسلّمه إليهم فدفنوه بمدينتهم وبنوا عليه مشهدا وهو إلى الآن يزار من الآفاق ويعرف بمشهد الرأس «48» . ودفن بدنه الشريف المقدس بكربلاء. وفي أيام عضد الدولة فناخسرو أمر أن يبنى عليه مشهد فبنى وهو إلى الآن عامر فيه نحو من ألف دار [و] يعرف بمشهد الحسين «49» .