فينبغي في ذلك الخضم من الفتن والمصائب ألا يفارقنا هدوؤنا، وسكينتنا، ومروآتنا؛ فذلك دأب المؤمن الحق، الذي لا تبطره النعمة، ولا تقنطه المصيبة، ولا يفقد صوابه عند النوازل، ولا يتعدى حدود الشرع في أي شأن من الشؤون.
ويتأكد هذا الأدب في حق من كان رأساً مطاعاً في العلم، أو القدر؛ لأن لسان حال من تحت يده يقول:
اصبر نكن بك صابرين فإنما ... صبر الرعية عند صبر الراس
قال كعب بن زهير - رضي الله عنه -: في قصيدته المشهورة -البردة-:
لا يفرحون إذا نالت رماحهم ... قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا
فهو يمدح الصحابة -رضي الله عنهم- بأنهم لا يفرحون من نيلهم عدواً؛ فتلك عادتهم، ولا يحزنون إذا نالهم العدو؛ لأن عادتهم الصبر والثبات.
وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي - رضي الله عنه - وهو من خيار المجاهدين من التابعين:
قد عشت في الدهر أطواراً على طرق ... شتى فصادفت منها اللِّيْن والبَشِعا
كُلاً بلوتُ فلا النعماء تبطرني ... ولا تَخَشَّعْتُ من لأوائها جزعا
لا يملأُ الهولُ قلبي قبل وقعته ... ولا أضيق به ذرعاً إذا وقعا