يقول ذلك وهو لم يعلم بتجاوز التتر بلاد العراق إلى بلاد الشام، وما تبع ذلك من مآس ومصائب، والتي وصفها إمام آخر وقف على أحداثها، يصفها ويشخص فيها أحوال الناس، ويصور مشاعرهم ومواقفهم بدقه وخبرة، شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حين يقول: " فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده ودأب الأمم وعاداتهم، لا سيما في مثل هذه الحادثة العظيمة التي طبق الخافقين خبرُها، واستطار في جميع ديار الإسلام شررها، وأطلع فيها النفاق ناصية رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيها عمود الكتاب أن يجتث ويخترم، وحبلُ الإيمان أن ينقطع وينصرم، ودارُ المؤمنين أن يحل بها البوار، وأن يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار، وظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض أنْ ما وعدهم الله ورسوله إلا غرورا، وأن لن ينقلب حزب الله ورسوله إلى أهليهم أبدا، ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيران، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران، وتركت اللبيب لكثرة الوساوس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان، حتى بقي للرجل بنفسه شغل عن أن يغيث اللهفان، وميز الله فيها أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض