وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر، بل إنه من تمامه؛ فالله - عز وجل - أراد بنا أشياء، وأراد منا أشياء، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أمرنا بالقيام به، فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا، وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف، وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا، وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ...
فالخلط بين ما أريد بنا، وما أريد منا، وبين الأمر الكوني القدري، والشرعي الديني هو الذي يُلبِس الأمر، ويوقع في المحذور.
ثم لا ريب أن الله - عز وجل - هو الفعال لما يريد، الخالق لكل شيء، الذي بيده ملكوت كل شيء، الذي له مقاليد السماوات والأرض.
ولكنه - تبارك وتعالى - جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها؛ وقوانين ينتظم بها، وإن كان هو - عز وجل - قادراً على خرق هذه النواميس وتلك القوانين، وإن كان - أيضاً - لا يخرقها لكل أحد.