كلاهما موت ولكن ذا ... أشد من ذاك لذل السؤال
ولبعض الكتاب.
الكتاب وقاية للمسؤل، وصيانة للسائل، ومبلغ ما الحياء مانع منه. وقال لقمان لابنه: أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء، واحفظ عني ما أقول: اعلم أنه لا يطأ بساطك في فنائك إلا راهباً منك أو راغباً إليك، فابدأ بالنوال قبل السؤال فإنك متى لألجأته إلى مسألة أخذت من عرضه، وحر وجهه أكثر مما تعطيه من مالك.
العتبي قال: قال سعيد بن العاص: ما في الأرض أحد سألني حاجة وكلفته أن ينتصب فيها انتصاب العود فرأيت شيئاً مما أعطيته عوضاً مما كلفته. أبو سعيد قال: أخبرني رجل قال: قال القسري لرجل: ما يمنعك أن تسألني؟ قال: إذا سألتك أخذت مني ثمن ما أعطتني.
دخل عبد الله بن عباس على معاوية رحمهما الله، فقال معاوية: والله يا ابن عباس إن بابي لكم لمفتوح، وإن خيري لممنوح، ولا يغلق بابي عنكم قلة ولا يمنع خيري عنكم علة. ولقد نظرت أمري وأمركم فرأيت أموراً مختلفة: ترون أنكم أحق بما في يدي مني وأنا أحق به منكم. وأعطيكم العطية فتأخدونها متكارهين عليها.
تقولون أخذنا دون حقنا وقصر بنا عن واجبنا، فبئس المنزلة نزلت بها منكم، أعطيكم فلا أشكر وأمنع فلا أعذر، ونعم المنزلة نزلت مني أنصف قائلكم وأعطى سائلكم؟ فحسر ابن عباس عن ذراعيه فقال: يا معاوية فتحت لنا بابك حين قرعناه، ومنحتنا حين سألناه، ولئن أغلقت عنا بابك لنكفن أنفسنا عنك. وهذا المال فليس لك فيه إلا ما لرجل من المسلمين فعلى أي جهة أعطيتناه. ولولا حقنا فيه ما أتلك آت منا بجمله خف ولا حافر. كفاك يا معاوية أم أزيدك؟ قال: لا. بل كفاني.
مر أبو الأسود الدؤلي بالأحنف بن قيس وعليه ثياب رثة.
فقال: يا أبا الأسود لو استبدلت بمكانه؟ فقال: رب مملولٍ لا يستطاع فراقه. فبعث اليه بتخوت فيها من ألوان الثياب. فأنشأ أبو الأسود يقول:
كساني ولم أستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر
أليس أحق الناس إن كنت شاكراً ... لشكرك من أعطاك والوجه وافر
أنشدني عاصم بن محمد الكاتب لأبي الأسود الدولي:
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
رأى خلة من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت
آخر:
لسانك بالموعود باب مفتح ... وكفك بالمعروف أضيق من قفل
تمني الذي يأتيك حتى إذا انتهى ... إلى أمدٍ ناولته طرف الحبل
أنشدني محمد بن عيسى:
ويوم منى أعرضت عنها ولم ... أقل لحاجة نفسٍ عند ليلى نوالها
وفي اليأس للنفس المريضة راحة ... إذا النفس زلفت خطة لا تنالها
وكان يقال: اليأس أحد النجحين. ويقال: السراح من النجاح.
قال الشاعر:
أرحني بالذي تضمر إن المطل تكدير ... وإن اليأس كالنجح إذا لم يك تحرير
آخر:
لعمرك لليأس قبل المطال ... أروح من أملٍ كاذب
اليأس أروح من تأميل مغرور. وقال بعض الحكماء: كل فائتة إذا وقع اليأس منها رزقت السلوة عنها. ومما يشبه هذا قول المجنون:
وإن أك عن ليلى سلوت فانما ... تسليت عن يأس ولم أسل عن صبر
ولبعض الكتاب. شغلت قلباً فارغاً بوعدك، وأتعبت بدناً وادعاً بضمانك، فإن أعدمتني لذة النجح من مطلبي فلا تعدمني اليأس بصدقي. أنشدني أبو النضر.
وعدت أبا العباس وعداً فإن يكن ... له منك إنجاز فمني له الشكر
وإن تكن الخرى فيأس معجل ... تراح به نفسي وينبسط العذر
وقال الفارسي: يكي به هزارها آسانية. معناه: مرة واحدة تعقب ألف راحة. شاعر:
اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس ... واقنع بيأسٍ فإن العز في الياس
من يعمل اليأس يبدي اليأس بهجته ... حتى يرى جبلاً في أعين الناس
آخر:
واليأس مما فات يعقب راحة ... ولرب مطمعة تعود ذباحا
وقيل: اليأس عز والطمع ذل. وللباهلي:
وسوى اليأس بين الناس عندي ... ولن يشقى بي الرجل الوضيع
آخر: