ولأبي خراش الهذلي في القناعة والإيثار على النفس:
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
وأغتبق الماء القراح تعففا ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
لعنترة بن شداد في الصبر مع القناعة:
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل
عبيد الله: القناعة عز صاحبها، وميسرة فقره، ومسلاة عدوه، وتبجيل له في أعين العقلاء، وتجمل في الخاصة والعامة، وذهاب بالنفس عن مسألة البخيل، والتعريض لمعروف من جعل فقره في قلبه وغناءه في كسبه، وصيانة العرض، وإحياء السنة، والرضا باليسير، والتقليل للكثير، والرغبة عما في أيدي الناس. فان الناس أتباع بالحق ونظارون بعين الدنيا موكلون باجتناب المؤمن إذا اختل وتعظيم المنافق إذا استغنى إلا قليلاً منهم في جملتهم كالشامة في مسك البعير والقلامة في النهر الغزير، ففي الاعتزال عنهم سلامة وفي الاختلاط بهم الضر، والبلاء الذي ليس بمنقض إلا ما دفع الله.
ولذلك أقول:
رضيت للعز بالقنوع ... فلست أنقاد للمنوع
لبائع حظه هلوع ... لازم دنياه ذي خضوع
كان الخليل بن أحمدقنعا ضففا، فكتب إليه سليمان بن المهلب وقد ولي السند يستزيره ليوليه أموره. فكتب إليه:
أبلغ سليمان أني عنه في دعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
شح بنفسي أني لا أرى أحداً ... يموت هزلا ولا يبقى على حال
والرزق عن قدر لا العجز منقصه ... ولا يزيدن فيه حول محتال
وكان يقال: احتج إلى من شئت فأنت دونه، واستغن عن من شئت فأنت مثله، وافضل على من شئت فإنك فوقه.
ولأبي دلف.
ليس الغنى في المال بل ... نفس الكريم هي الغنية
إلتجأ اختلاف المخلوقين في المتضادات إلى أصلين. يتفرع منهما فصول شتى. فأحد الصلين ما يجب في حجة العقل الانقياد له والتسليم لما جاء عن الله عز وجل فيه فإنه يقول: (ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها) . وقال عز وجل: (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) . وقال: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) . مع أيٍ كثيرةٍ تقوم الحجة عند المصغي إلى الحس المنقاد إلى البرهان. ولم يمنعنا من ذكرها إلا إحاطة علم أكثر الناظرين في هذا الكتاب بها.
سئل بعض الحكماء: ما الذي يحمل الموقن بالقضاء والقدر على الدووب والسعي؟ قال: يحمله عليهما القضاء والقدر.
وقيل: استعمال الجد من دلالة التوفيق.
قرأت في كتاب كليلة ودمنة: إن السبب المانع رزق العاقل هو الذي يسوق رزق الجاهل. قال الشاعر:
الجد أنهض بالفتى من عقله ... فانهض بجد في الحوادث أو ذر
ما أقرب الأشياء حين يسوقها ... قدر وأبعدها إذا لم يقدر
فاذا تعسرت الأمور فارجها ... وعليك بالأمر الذي لم يعسر
قال بزرجمهر: العاقل لا يجزع من جفاء السلطان وتقديمه الجاهل دونه لمعرفته بأن الأقسام لم توضع على قدر الأخطار وعلى سبيل الاستحقاق.
ولمنصور بن باذان:
يا ذا الذي ذمٍ دهره ... من أجل أن حط قدره
لا تأسفن لشيء ... ففي المغيرة عبره
لو نيل رزق بعقل ... لم يعطه الله بعره
فأخذ بعض المحدثين هذا فقال:
قد كنت للآعتزال منتحلاً ... أزعم أن الحظوظ بالسبب
فالآن قد صرت لا أقول به ... ولست أوصي بالعلم والطلب
فالعلم كالجهل والمطالب ... للرزق كوانٍ والجد كاللعب
وروي عن جعفر بن محمد أنه قال: إن الله وكل الحرمان بالعقل، والرزق بالجهل ليعلم العاقل أنه ليس إليه من الأمر شيء.
وقيل: لا يزال الله يرزق الجهال حتى يعتبر بهم العقلاء.
وكان يقال: غباوة تنفع خير من عقل يضر.
وقيل: الحظ يغلب العقل.
وأنشد الشاعر:
إذا كان الزمان زمان حمقٍ ... فان العقل حرمان وشوم
فكن حمقاً مع الحمقى فإني ... أرى الدنيا بحظهم تدوم
آخر:
لا تأتين الأمر من وجهه ... فانه يعسر من كل باب