إسقاط واجب، أو تحريم حلال، أو إخبار عن الله تعالى أو خلقه بباطل: لكانوا متصفين بالأمر بمنكر والنهي عن معروف: من الكلم الطيب والعمل الصالح؛ بل الآية تقتضي أن ما لم تأمر به الأمة فليس من المعروف، وما لم تنه عنه فليس من المنكر. وإذا كانت آمرة بكل معروف ناهية عن كل منكر: فكيف يجوز أن تأمر كلها بمنكر أو تنهى كلها عن معروف؟ والله تعالى كما أخبر بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد أوجب ذلك على الكفاية منها بقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] (سورة آل عمران: آية 104) .
وإذا أخبر بوقوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهي الناهي منها إلى كل مكلف في العالم؛ إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة: فكيف يشترط فيما هو من توابعها؛ بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم. ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه: كان التفريط منهم لا منه.
وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضا كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته؛ إذ هو واجب على كل إنسان بحسب قدرته.