ولهذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد يجعل من أهل الأهواء؛ كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء؛ وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه؛ والعلم بالدين لا يكون إلا بهدي الله الذي بعث به رسوله؛ ولهذا قال تعالى في موضع: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 119] (سورة الأنعام: من الآية 119) . وقال في موضع آخر: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] (سورة القصص: من الآية 50) .
فالواجب على العبد أن ينظر في نفس حبه وبغضه، ومقدار حبه وبغضه: هل هو موافق لأمر الله ورسوله؟ وهو هدي الله الذي أنزله على رسوله؛ بحيث يكون مأمورا بذلك الحب والبغض، لا يكون متقدما فيه بين يدي الله ورسوله؛ فإنه قد قال: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] (سورة الحجرات: من الآية 1) . ومن أحب أو أبغض قبل أن يأمره الله ورسوله ففيه نوع من التقدم بين يدي الله ورسوله. ومجرد الحب والبغض هوى؛ لكن المحرم اتباع حبه وبغضه بغير هدي من الله؛ ولهذا قال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [ص: 26] (سورة ص: من الآية 26) . فأخبر أن من اتبع هواه أضله ذلك عن سبيل الله، وهو هداه الذي بعث به رسوله، وهو السبيل إليه.